من منطلق أن «الاقتصاد أهم من أن يترك للاقتصاديين وحدهم» شاركت كأستاذ للعلوم السياسية فى ندوة عن الأزمة الاقتصادية فى مصر وكيفية الخروج منها. وبالرغم من أن غالبية الحضور كانت من أساتذة الاقتصاد وأصحاب الخبرة العملية فى النشاط الاقتصادى، إلا أن قضايا السياسة كانت حاضرة بقوة كأحد أسباب المشكلة الاقتصادية الحالية، أو إحدى آليات حلها.
القضية السياسية الأولى التى أثيرت تتعلق بعدم وضوح الرؤية المتعلقة بإدارة الاقتصاد. هل هو اقتصاد تقوده الدولة ومؤسسساتها أم يقوده القطاع الخاص؟ هل هو اقتصاد يستند إلى آليات السوق، والعرض والطلب أم إلى تدخل الدولة؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ماتزال غامضة وأحيانا متناقضة، وتثير قلقا لدى أساتذة الاقتصاد والمستثمرين المصريين والأجانب. والواقع أن تبنى رؤية اقتصادية ليس مسألة تقنية ولكنها عمل سياسى بالأساس يمثل توجهًا للدولة ودستورًا للنشاط الاقتصادى. وبالرغم من حديث بعض المسؤولين عن أهمية القطاع الخاص والسوق الحرة إلا أن هناك «لوبى» أو جماعة ضغط تنتمى لعقود ماضية وتؤمن بأفكار تجاوزها العالم والزمن، ماتزال تؤثر على القرار الاقتصادى فى مصر، بالرغم من أن نتائج الانتخابات البرلمانية توضح أنها بدون قاعدة شعبية.
القضية السياسية الثانية تتعلق بضعف الإدارة الاقتصادية، سواء ضعف الكوادر أو المؤسسات التى تدير الملف الاقتصادى. وقد ذكر أحد الشخصيات الاقتصادية الهامة والممثلة لقطاع كبير من النشاط الاقتصادى أن «مصداقية الإدارة الاقتصادية للدولة معدومة، وليس لدينا مجموعة اقتصادية نثق فيها فى المستقبل.. وأنهم بلا رؤية ولا يتكلمون». واقترح أحد المشاركين فى الندوة أن يتم تكوين فريق اقتصادى برئاسة نائب رئيس للوزراء، ويتولى هو مهمة تشكيل الفريق المتجانس الذى يعاونه، ويكون مسؤولا عنه.
ترتبط بقضية الإدارة مسألة سياسية أخرى وهى ما يسمى «إدارة التوقعات»، فمع زيادة ثورة التوقعات لدى المصريين فى السنوات الأخيرة بالغت الدولة هى الأخرى فى نبرة التفاؤل بخصوص المستقبل الاقتصادى، والمدى الزمنى الذى ستحدث فيه انفراجة يشعر بها المواطن. هذا الأمر بالتأكيد يحتاج مراجعة، ولابد أن يعرف المواطن حقيقة الأوضاع الاقتصادية بعيدا عن التشاؤم أو التفاؤل المبالغ فيه، وبحيث نقلل الفجوة بين التوقعات والواقع. وهذا يثير مرة أخرى قضية طاقم الإدارة الاقتصادية والحكومة بشكل عام، ومدى قدرتها على توصيل هذه الرسالة السياسية للمواطن.
هناك أيضا غياب فى تقدير البعد السياسى لعدد من القرارات الاقتصادية وتأثيرها على الأوضاع المعيشية للمواطن وعلى الاستقرار السياسى. على سبيل المثال، مازال بعض الاقتصاديين يتحدثون عن ضرورة التعويم الكامل ومرة واحدة - وليس بشكل تدريجى- لسعر الصرف حتى لو وصلت قيمة الدولار لعشرة جنيهات، ويرون أن هذه هى الطريقة الوحيدة الناجحة للتعامل مع هذا الأمر. وبالرغم من المنطق الاقتصادى لهذا الأسلوب فإن ثمنه السياسى سيكون مكلفا جدا فى ظل الأوضاع الحالية بمصر.
ويرتبط بهذا الأمر أيضا إغفال الأثر الاقتصادى للعديد من هذه القرارات على الطبقة المتوسطة المصرية، والتى تحملت عبئا كبيرا فى السنوات الأخيرة نتيجة لارتفاع الأسعار. وعلى صانع القرار الاقتصادى أن يدرك أن هذه الطبقة هى مفتاح الاستقرار، وكانت محرك التغيير بمشاركتها فى مظاهرات 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013.
قضية أخرى تتعلق بما يسمى «المشروعات القومية» أو «المشروعات الكبرى» وحقيقة الأمر فإن البعد السياسى فى هذه المشروعات يطغى على البعد الاقتصادى، وأرى أن القيادة السياسية فى مصر لا تحتاج لمثل هذا العائد السياسى، ومن المهم إعطاء أولوية للعائد الاقتصادى فى المشاريع التى تتبناها الدولة.
وأخيرا لن يكون من السهل التعامل مع العديد من المشاكل الاقتصادية دون «تبريد» للأجواء السياسية، وتهدئة لإعلام الجهل والفتنة، وتبنى سياسة لاحتواء كافة القوى الوطنية، ومشاركتها فى تحمل المسؤولية.