د. السيد أمين شلبى يكتب: ثلاث سيدات محترمات

الأحد 01-08-2010 00:00

يرتبط النظام السياسى الأمريكى والغربى عموما فى الأذهان باحترام حرية الفكر والتعبير والنقاش، ويعتبر هذا من القيم التى تفتخر بها الولايات المتحدة والغرب بل يدعون المجتمعات والنظم الأخرى إلى تبنيها واحترامها.

وقد ترسخت هذه الصورة عن الولايات المتحدة والغرب بحيث أصبحت مقبولة ومعترفا بها حتى ممن يختلفون مع السياسات الأمريكية والغربية، ويحرصون على التمييز بين غضبهم على الولايات المتحدة والغرب بسبب هذه السياسات، وبين إعجابهم بالقيم الأمريكية والغربية فى احترام حرية التعبير والنقاش وقبول الاختلاف فى الرأى.

غير أنه بالإضافة إلى سوابق سابقة تشكك فى هذه الصورة الذهنية، وأن ثمة شخصيات قد عانت وربما اختفت من الحياة السياسية بسبب تعبيرها عن رأيها المستقل وانتقادها للسياسات الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط والصراع الفلسطينى الإسرائيلى من أمثال السيناتور الأمريكى شارلز بيرس وعضو الكونجرس بول فندلى، فضلاً عن الاضطهاد والتضييق الذى لاقاه الأستاذان المرموقان ستيفن والت وجون مارشهامر بسبب تعبيرهما عن آرائهما المستقلة التى انتقدت التأييد الأمريكى المطلق لإسرائيل، وتعارض هذا مع المصالح الوطنية الأمريكية، بالإضافة إلى هذه السوابق فإن وقائع ثلاثا وقعت أخيراً تعيد التفكير فيما إذا كان حقا حرية الرأى والتفكير والرأى المستقل تُحترم فى كل الحالات، أم أن هناك مناطق، أو منطقة محرمة، لا ينطبق عليها احترام حرية التعبير والفكر والرأى المستقل، وهذه المنطقة تحديداً هى إسرائيل والقضايا المتصلة بصراع الشرق الأوسط.

كانت أولى هذه الحالات واقعة الصحفية المخضرمة هيلين توماس التى عملت 57 عاما مراسلة صحفية ومديرة مكتب UPI فى البيت الأبيض، وغطت كل رئيس أمريكى ابتداء من أيزنهاور حتى أوباما، وهو ما وضعها فى الصف الأول فى مؤتمرات البيت الأبيض الصحفية، حيث دخلت فى جدال مع الرؤساء الأمريكيين، خاصة بوش الابن الذى سألته عن أسباب الحرب على العراق بعد أن فشلت كل المبررات التى قدمها، ووصفته بأنه أسوأ رئيس بالتاريخ الأمريكى، وعن نائبه ديك تشينى الذى قالت إنها سوف تقتل نفسها إذا ما رشح نفسه للرئاسة.

لم يشفع لها هذا التاريخ عندما قالت، وهى تجيب عن سؤال صحفى عن إسرائيل، إن عليهم أن يذهبوا إلى البلاد التى جاءوا منها، فتعرضت للإدانة والانتقادات العنيفة وهو ما جعلها تستقيل من UPI ومن نادى الصحافة القومى، ومن رابطة مراسلى البيت الأبيض.

أما الحالة الثانية «أوكتافيا نصر» محررة شؤون الشرق الأوسط لعشرين عاما فى محطة CNN التى طردت من وظيفتها لأنها أثنت على رجل الدين الشيعى اللبنانى محمد حسن فضل الله الذى توفى 4 يوليو هذا العام، والذى تعتبره الدوائر الإسرائيلية محرضاً على الإرهاب وحليفا لحزب الله.

أما الواقعة الثالثة فكانت مع السفيرة فراسيس جاى التى أمضت 4 سنوات سفيرة لبريطانيا فى لبنان، وقد تعرضت السفيرة للانتقاد وللتنصل من آرائها حينما كتبت مدونة على موقعها الإلكترونى تعقيباً على وفاة الشيخ محمد حسن فضل الله تحت عنوان «وفاة رجل دمث»، وقالت إنها حزنت لوفاة فضل الله وإن العالم فى حاجة إلى مزيد من الرجال من أمثاله الذين يريدون التواصل بين الأديان. وأضافت السفيرة فى مدونتها أنها بُهرت حين التقت بالسيد فضل الله وكتبت: «حين تزوره تكون متأكداً من حدوث مناقشة حقيقية ومجادلة محترمة، وتعلم أنك ستترك مجلسه وأنت تشعر أنك إنسان أفضل». وتابعت: «إذا كنت حزنت لسماع نبأ وفاته فإننى أعلم أن حياة آخرين ستتأثر بشدة بالفعل، فليرقد فى سلام».

وقد كان هذا كافياً لكى يحرك الأبواق الإسرائيلية ولكى يتهمها المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية بأنه «كان ملهما للتفجيرات الانتحارية والاغتيالات والعنف الوحشى»، وقد انعكس هذا على موقف ورد فعل وزارة الخارجية البريطانية التى حذفت كلام السفيرة من موقع السفارة الإلكترونى وتنصلت منه معتبرة أنه يعبر عن رأيها الشخصى.

والواقع أن ثناء السفيرة البريطانية على الشيخ فضل الله له ما يبرره فى حياته خاصة بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، حيث مالت أفكاره إلى الاعتدال وأصبح يُنظر إليه كداعية للتسامح، ومدافع عن حقوق المرأة، بل إنه رغم إدانته للحرب الأمريكية على العراق، دعا العراقيين إلى الصبر بعد أن خلصهم الأمريكيون من صدام حسين، كما أنه أدان فى الحال ودون تردد أحداث 11 سبتمبر، وتروى مجلة «الإيكونومست» أنها حين فتحت نقاشا معه بدأه بشكر البلدان الغربية على استضافة العديد من المسلمين ومنحهم حرية العبادة وكان من يزورون مكتبه المتواضع فى الضاحية يندهشون من وجود مسلمين سنيين بل مسيحيين يطلبون منه التوجيه والنصيحة.

وهكذا، وبعد تجربتى هيلين توماس وأوكتافيا نصر فإنه بتجربة السفيرة البريطانية أصبح لدينا ثلاث سيدات محترمات، كانت لديهن الشجاعة للتعبير عن آرائهن رغم معرفتهن أن حرية الرأى والتعبير فى مجتمعاتهن لا تنطبق على القضايا التى تعرضن لها.