«آسف.. كنا رجالا عندما كنتم نساء»!!!
حق الرد مكفول.. فى الأسبوع الماضى كتبت على هذه الصفحة وفى هذا المكان مقالا كان عنوانه «أين ذهب الرجال الحقيقيون؟».. كان المقال يستعرض وضع الرجال الآن، ليس فى مصر وحدها، بل فى العالم كله، مشيرا إلى الأسباب التى أدت إلى ما يشبه انهيار الهوية الذكورية.. المقال من وجهة نظرى كان تحليلا موضوعيا لا يقصد من قريب أو بعيد أى هجوم على شخص الرجل، ولكن كما ذكرت يستعرض الحال والأسباب، مقترحا أهمية التكيف مع الأوضاع الحديثة من أجل خلق ـ ربما ـ هوية رجولية جديدة تتسق مع هذه المتغيرات الحتمية التى تحددها ملامح القرن الواحد والعشرين، تعجبنا كانت، أو لا نرضى عنها.
ولأننى تلقيت كثيرا من التعليقات عبر بريدى الإلكترونى وشبكات التواصل الاجتماعى بشأن هذا الموضوع الحساس بصفة خاصة للرجال.. فقد قررت أن أستعرض واحدا من التعليقات فقط الذى ألهمنى كتابة هذا المقال.. التعليق الذى دونه محمد ندا يقول «الرجولة الآن تتشكل طبقا لخصائص المرأة الحديثة.. آسف كنا رجالا عندما كنتم نساء»!!
«عندما كنتم نساء».. جملة صاعقة.. فى الصميم.. مؤلمة وموجعة لكبرياء المرأة.. لكنها ربما تحمل معانى واقعية.. الجملة قوية.. فاضحة ومعرية لأنوثة المرأة.. أنوثتها الضائعة التى سحبت منها من تحت «السجادة» دون أن تدرى أنها تفقد أعز ما تملك.. تفقد زينتها وتاجها الذى تحكم به مملكتها، ولكنها تنازلت عنها من أجل مكاسب سعت لأجلها.. أو ربما بسبب واقع مرير فرض فوق رأسها وطاقتها.. أو ربما أيضا بسبب رجل أرهق مخزون عطائها!!.. فقدت هنا الاحتياج وهذا الكيان الفطرى المسؤول عن توازن حياتها.. نسيت أن الأنوثة صفة لطيفة، حنونة تظهرها ملامح وأسلوب وطبيعة المرأة.. المرأة الأنثوية تشع وتبعث انطباعا بمعانى النعومة والرقة.. لديها هذه الروح المستسلمة المريحة ورغبة فى الاعتماد على الرجل من أجل الحصول على عنايته وحمايته.. لا شىء فى مظهرها رجولى أو عدائى أو تنافسى.. الجمال لا يعنى أنوثة، هناك عشرات من النساء الجميلات.. لكن الأنوثة نادرة.. هذه الصفات الأنثوية التى تتغلف بين الثقة والتواضع واللطف والبراءة والصفاء والرقة والصبر والحب، كلها أصبحت نادرة.. هى هذه المزايا التى يبحث عنها الرجل من أجل تحقيق التوازن فى حياته.
أين نحن أو أين أصبحنا من هذه الصفات؟؟.. راح شكلنا.. وضاعت أنوثتنا تحت الجلباب وملابس الخيام.. وأغطية الرأس البهلوانية.. و«البراطيش» من الصنادل والأحذية.. ارتفع صوتنا.. وتشنج صراخنا وخشنت نعومة أيدينا.. وتشققت كعوب أقدامنا.. ضحكاتنا أصبحت هيستيرية.. ومناقشتنا حادة والمنافسة بيننا شرسة والغيرة صارت قاتلة.. انظروا كيف أصبحت تضاريس أجسامنا.. شاهدوا أفواهنا ونحن نأكل.. ونحن نتحدث.. ولأيادينا العنكبوتية المتفرعة فى كل اتجاه.. نظرة دقيقة لأسلوب مشيتنا.. وقفتنا.. طريقة جلوسنا.. كلها أشكال بعيدة تماما عن معنى ومظهر الأنوثة..!! أسبابنا وردنا قد يكون مقبولا.. قد يكون أغلبه منطقيا.. لكن هذا لا يعنى أننا لم نفقد أعز ما نملك كنساء.. كأمهات.. كزوجات.. أليس ذلك أيضا جزءا من هويتنا.. أليس ذلك هو ما نحاول أن نسترده ونبحث عنه عندما نفقد شريك الحياة الذى يترك الديار باحثا عن هذه «الست» مصدر الحنان والرقة والاستسلام!!
الموضوع كبير وأبعاده كثيرة وأسبابه لها جذور اقتصادية واجتماعية عديدة ربما أتناوله من الجانب السطحى الخارجى الظاهرى الساطع، ولعل يكون هذا التناول فيه من المواجهة المؤلمة التى لا ترغب كثير من النساء فى الاعتراف بها ولكنه جرس متواضع يعيد تذكيرنا بطبيعتنا وهويتنا.. ربما يكون ذلك هو السلاح الذى يعيد لنا هذا التوازن الذى فقدناه مثلما فقده الرجل.. وأتذكر فى ذلك أننى عندما كنت فى قمة طموحى المهنى كنت أجهد نفسى للموت لصعود هذا السلم لمستقبل طموح والذى يحمل كل درج منه «قبح المنافسة».. وفى ذات يوم توقفت أتساءل، أين أنا من ذلك كله؟؟؟.. نظرت حولى ووجدت أن كثيرا من النساء انتهى بهم الأمر فى وحدة.. أو فى حالات من الإرهاق والتوتر المستمر.. أو جروح عاطفية.. توقعاتهن وأحلامهن كانت بعيدة تماما عما كن يساومن عليه!!!
وقد نصحتنى إحدى الصديقات التى كانت تعمل فى وظيفة حساسة للغاية بأحد البنوك أنها تعرضت يوما لمثل هذه المشاعر وأنها قامت بزيارة طبيب نفسى ساعدها على الاتساق أكثر مع نفسها.. قال «الأنوثة هى تحقيق هذا التوازن، بين الأنوثة والرجولة بمهارة وثقة.. إنها أناقة دون مبالغة.. إنها حالة من الإحساس بالضعف وليس إحساسا بأنها الضحية.. الأنوثة لا تعنى أن تكون المرأة جنسية أو ترتدى ملابس مغرية.. إنما تكون قادرة على الاتصال داخليا مع نفسها.. ملابسها ليست للمنظرة أو الاستهواء أو الوجاهة الاجتماعية، إنما هى نقرة على الجوهر الداخلى لاكتشاف نفسها».. قال «أنجح العلاقات بين الرجل والمرأة هى عندما تستمع المرأة للرجل دون إعاقة أو ارتداد لشخصها».. قال «العلاقات الآن أصبحت فى حالة من التصنع.. العداء والحرب.. والمرأة تتعامل معها على أنها صفقة تجارية.. تتعامل مثلما تتعامل مع سلم العمل الطموح وهذا ما يرسم على وجهها الصرامة.. لذا عليها أن تحقق هذا التوازن بين المادة والنعومة المحفورة فى أصولها وإلا فقدت جوهرها!!! وأكثر النساء سعادة هن النساء فى الخمسينات والستينات لأن حياتهن مع شركائهن ترتكز على الصحبة وليس وراء السعى لأسلوب حياة.. هناك هذا الإنسان مع الأصل والجوهر!!»
لعلها تكون كلمات بسيطة.. متواضعة.. تذكرنا بأن الأشياء الجميلة ترتكز دائما على جذورها ومنبعها الأصيل.. وكما قال الشاعر والفيلسوف جبران خليل جبران «إن العواصف والثلوج تفنى الزهور ولكنها لا تميت بذورها».