الوهج (قصة ثورة)

جمال الجمل الأربعاء 04-11-2015 23:05

(1)

لقد رأيتُ وهَجًا..

صرخت الفتاة المراهقة بفرح، بينما الظلام يخفي ملامح المدينة.

قالت الأم بحكمتها الهادئة: بعض الناس يقولون إن هذا الوهج يرشد المرء إلى مصيره، وبعضهم يعتبر أن المرء ومصيره مثل خيوط النسيج، مرتبطة ببعضها، وأي محاولة لفصلهما فلن يكون هناك نسيج، وبعضهم يرى أن المرء يظل محكوما طول العمر بمصير محتوم لا يمكن تغييره.

(2)

كانت الفتاة وسط غابة (ربما)، أو في ميدان التحرير بعدما تحول إلى ساحة للثورة (ربما)، أو في عنبر للنساء بسجن القناطر (ربما)، أو تجلس في بيتها أمام شاشة التليفزيون (ربما)، أو تقرأ شيئا غل فيس بوك في الموبايل (ربما)..

ذلك عندما قالت لأمها: لماذا يتصور أحد آخر أنه يملك مصيري أنا؟، لماذا يتحكم أحد ما (حتى لو كان أنت يا أمي) في قدري؟.. إنّه الشّيء الوحيد الذي يجب ان أصنعه بنفسي، وأن أحارب من أجل تغييره إذا فرض على آخر مصير لا يعجبني.

(3)

لن أتزوج بالطريقة التي تعدين لها يا أمي، من حقي أن أختار كما أحب، وقتما أشاء.

(4)

أصوات شجار عائلي بين الأم وابنتها.

الأم هي الملكة إيلينور والفتاة هي الأميرة ميريدا ابنة الملك فيرجوس في فيلم «شجاعة» وهو فيلم كارتون حاصل على الأوسكار في عام حكم الإخوان لمصر.

تتمرد ميريدا على الحياة التعليمات التي تفرضها الملكة وفقا للتقاليد.

(5)

كانت ميريدا قد سخرت من المسابقة التي نظمها والدها الملك بين أمراء الممالك المتحالفة معه بحيث تتزوج الفائز، فبعد أن أطلق الأمراء سهامهم في مسابقة الرماية، أمسكت بالقوس وتحدت الجميع بمهارة فائقة وهي تقول: سأتنافس معكم لأطلب يد نفسي.

(5)

أصوات الشجار العائلي تتزايد بين الأم وابنتها، تنفعل ميريدا وترمي سلاحها بعنف فيمزق لوحة القماش التي تضم صورة العائلة، بحيث تصبح في جانب والملك والملكة في جانب آخر، تخرج ميريدا غاضبة من القصر فوق ظهر حصانها، وتتجه نحو الغابة، هناك رأت الوهج من جديد، كان يرشدها إلى مكان ما، لما تتبعته وجدت نفسها داخل كوخ ساحرة، فطلبت منها تعويذة لتغيير أمها، مقابل جوهرة ملكية.

(6)

كانت التعويذة عبارة عن كعكة سحرية، لما تناولتها الملكة تحولت إلى دب متوحش، هكذا تغيرت الأم، وتغير مصير ميريدا للأسوأ، إنها كانت تطلب تغييرا لم تستطع أن تعبر عنه، كان صوت تمردها أعلى من صوت عقلها، وكانت سمات مراهقتها أقوى من أي نضوج، فمزقت صورة العائلة، وحولت أمها الملكة إلى مسخ متوحش، ولما سعت لإصلاح ذلك عادت إلى مكان الساحرة فلم تجدها، لكنها تذكرت «شيفرة الحل» التي نطقت بها الساحرة وهي تمنحها التعويذة:

«يمكن تغيير المصير. نظرة داخل الصدور، يمكنها إصلاح روابط مزقها الغرور»

(7)

عادت إلى القصر، فوجدت أن الصراع قد احتدم بين حلفاء 30 يونيو، والفوضى تعم المكان فوقفت تخطب في الأمراء المتصارعين من أجل الفوز بالأميرة

قالت:

ذات مرة، كانت هناك مملكة قديمة، تلك المملكة سقطت في حربٍ وفوضى، وخراب.

قاطعها المتصارعون: قديمة.. لقد سمعنا جميعاً تلك الحكاية ونعرفها جيدا.. إنها قصة المملكة المفقودة

قالت: نعم إنها قصة المملكة المفقودة، لكن مملكتنا أيضا قد تضيع مثل سوريا والعراق، فأنا أعرف الآن كيف أنّ تصرفاً أنانياً واحداً، .يُمكن أن يُحوّل مصير مملكة بالكامل.

قال الأمراء السكارى: كلاّ، إنّها مُجرّد أسطورة

قالت البنت: الأساطير عبارة عن دروس لم تستوعبها ممالك حقيقية فصارت جزءا من الخيال، إن مملكتنا قائمة وحكايتنا لم تتحول إلى أساطير بعد.

قال أمير شاب لوالده: لكن لدينا الآن «حواديت العباسيين».. هذا خطر شديد يهدد الأمن القومي.

زجره والده قائلا: احترم التقاليد.. انت في بلد «المقام العالي».

رفعت ميريدا صوتها في الميكروفون: عشائرنا واحزابنا كانوا أعداءً من قبل، ولما هدّدنا الغزاة من البحر، تحالفنا في جبهة إنقاذ للدفاع عن أراضينا، لقد قاتلتم جنبا إلى جنب، خاطرتم بكل شيءٍ من أجل الحرية. قصة هذه المعركة رائعة وقوية، لقد حشد أبي قواتكم، وأنتم جعلتموه ملككم، كان تحالفا قوياً في الشجاعة والصداقة، ولقد استمرّ حتى يومنا هذا، لكنه أصبح يعاني من شرخ عظيم بسبب الأنانية، ولا بد من إصلاح هذه الغلطة، وترميم الروابط التي تفككت

فتح الجميع عيونهم، وسألوا: كيف؟

قالت ميريدا: لقد قررتُ أن أفعل ما هو صائب.

فركوا عيونهم بأيديهم وسألوها: ماهو الصواب

فاجأتهم قائلة: لن أتزوج بهذه الطريقة، سأخرق تقاليد العباسيين، لابد أن نتحرر من فكرة العصابة، والشللية، والتوريث، وأولاد القضاة، والانحياز للحرس والعسس، ومداهنة القاضي، واضهاد أولاد الكناسين والسقايين.

إن أمّي.. الملكة.. تشعر في قلبها.. أنني.. أننا أحرار.. ويمكننا كتابة قصتنا بأنفسنا، علينا أن نختار بحرية، ونتبع.. قلوبنا، ونجد الحب بطريقتنا وقتما يجئ.

(8)

تقول الأساطير إن الملك فيرجوس قرر أن يحنو على شعب مملكة دنجوال، وقال: هذا جميل، تتقطع الإيد اللي تتمد عليكم يادنجواليين، انتو مش عارفين انكو نور عينيا وللا إيه؟، وامسك بالميكروفون من يد ابنته الشابة، وخطب خطبة عصماء أعلن فيها الإفراج عن كل من خالف تقاليد التظاهر ضد الملك، ومنح الشباب مزيدا من الحريات، وقال: يا حضرات اللوردات، لابد لشبابنا أن يُقرّروا مصيرهم بأنفسهم، ويختاروا حياتهم، دعوا الزهور تتفتح، وأصلحوا الروابط.. أصلحوا الروابط بين شركاء ثورة دنجوال.

(9)

ظهر تسريب بعد أيام من خطبة الملك فيرجوس يقول فيه لمساعده «فرجاس».. خللي كل حاجة زي ما هي، همشي ورا شوية عيال؟، فيتصل فرجاس بمساعده: بلغ الواد بتاعنا يطلع يهدي الجو، ويوزع ميه ساقعة على العامة، ويقول تم إحالة قرارات الملك للأجهزة المعنية للبحث والفحص.

(10)

بعد أيام شوهدت ميريدا في قفص المحاكمة بتهمة خرق التقاليد، وكانت آخر «تويتة» لها تقول: لقد رأيت وهجاً.. هذا الوهج هو الذي جاء بي إلى هنا.. يقال إن اسمه الثورة، وإنك لا تراه إلا إذا كان بداخلك.

..............................................................................................................

لم تنته قصة ميريدا مع مملكة «المقام العالي»

جمال الجمل

tamahi@hotmail.com