كان هذا الأسبوع أسبوع الحديث عن الإعلام بحق، أو بمعنى أدق أسبوع الشكوى من الإعلام.. اشتكى الرئيس الإعلام للشعب واشتكى الشعب الإعلام للرئيس.. اشتكى الرئيس الإعلام فى خطابه واشتكى الشعب الإعلام فى كل المواقع والعديد من الكتابات.. والواقع أن شكوى الرئيس قد فتحت جرح العديد من المصريين من أداء الإعلام فى الفترة الماضية، والأهم السكوت على هذا الأداء وكأنه تواطؤ.. أستطيع أن أقول إن التعليق على شكوى الرئيس كان هو مربط الفرس فى أزمة الإعلام ولسان حال الناس يقول: لماذا الشكوى الآن فقط؟
أين كان الرئيس بل أين كانت الدولة من التسريبات التى كانت تذاع على الشاشات لتغتال شخصيات وتنتهك خصوصية العشرات، وتقتحم حياة العديد وتوجه الاتهامات بالخيانة والعمالة علنا كأنما هى النيابة والقضاء معا، بل تصدر الحكم بالإقصاء دون أى تدخل من الدولة فى هذا الأداء الذى يطلق العنان لمن يظهر على الشاشة دون أى رادع أو ضابط.. والأسوأ هو ما هى الرسالة التى وصلت للجميع من ترك هذا الأداء ليزداد يوما بعد يوم إلى حد أن بعض مقدمى البرامج كان يهدد شخصيات بعينها وكأنه هو الدولة نفسها بل كأنه هو المتحكم الأوحد فى هذه الدولة. كانت الرسالة ببساطة أن هؤلاء محميون وأنهم رجال النظام، ومن هنا فهم مطلقو العنان بلا رابط أو ضابط، بل إن أحدهم عندما أقيمت ضده دعوى قضائية وصدر ضده حكم لصالح الخصم خرج ليقول لنا إنه لن يسجن وقد كان، فقد جاء الحكم التالى بالبراءة.. الدولة هى من صنعت من الإعلام مباراة فى استعراض القوة وفى إثبات النفوذ ولم تشعر الدولة بخطورة ذلك حتى على تواجدها كدولة بقدر ما شعرت به من أداء غير مهنى أصاب أداء الرئيس نفسه.
المشكلة الحقيقية أن الشكوى من الإعلام ترتبط دوما بالحديث عن إقرار التشريعات الإعلامية، وكأنما التشريعات الإعلامية هى المنقذ من هذا السيرك الإعلامى، والواقع أن التشريعات الإعلامية إحدى أدوات التنظيم لكنها ليست الأداة الوحيدة، ولنتذكر كما قلت أن إحدى القضايا وصلت إلى مراحلها النهائية وجاء الحكم بالبراءة، أى لم يقتص لصاحب الحق ومن صدر فى حقه سب وقذف، لذا فالتشريعات يجب أن تتزامن معها صلاحيات المجلس الوطنى للإعلام، وصلاحيات الهيئات الوطنية ودور نقابة الصحفيين وتشكيل نقابة الإعلاميين ودورهما فى ضبط الأداء، ودور النيابة العامة والقضاء فى بلاغات ودعاوى السب والقذف ضد الإعلاميين.. نحن بحق فى حاجة إلى التشريعات الإعلامية، لكن التشريعات وحدها دون توقيع عقوبة على المتجاوز سوف تخلى هذه التشريعات من قيمتها وتنزع عنها دورها، بل ستضع الدولة نفسها موضع المتستر على التجاوزات والمتواطئ معها لصالح من يملكون نفوذا لا يمكن من حسابهم.
تفعيل التشريعات الإعلامية هو المهم بعد إصدارها، وتجاهل هذه التشريعات رغم وجودها هو ما يضعنا فى حالة من الفوضى الإعلامية دون ضابط أو رابط.. أى أننا بحق فى حاجة إلى هذه التشريعات على أن تنفذ، أما إذا وجدت ولم تنفذ بحكم نفوذ البعض فلن يفعل هذا شيئا سوى ازدياد الفوضى وإطلاق يد هؤلاء الذين يتصرفون وكأنهم فوق الدولة.
بما أننا جميعا نشكو من الرئيس نفسه إلى الشعب كله من الإعلام.. وإذا كنا بحق نريد إعلاما مهنيا منضبطا إذًا علينا الإجابة عن سؤال يطرحه ليس كل من اغتالته التسريبات يوما، ولا من طالته الاتهامات يوما، بل كل من أغضبه هذا الأداء بل أغضبه أيضا ازدياد هذا الأداء واستفحاله دون أى تدخل.. السؤال هو من يحمى هؤلاء؟ وممن يستمدون نفوذهم؟.. هذا الزواج ما بين المؤسسات الأمنية وبعض الإعلاميين هو الذى يحول دون ضبط الأداء الإعلامى وعودته إلى مربع المهنية، بعيدا عن تصورات أداء دور وطنى يغتال حقوق الناس ويقضى على وجود الدولة.