هل الامتناع عن التصويت سلب أم إيجاب؟

حسن حنفي الأربعاء 04-11-2015 21:20

يظن الكثير أن الامتناع عن التصويت فى الانتخابات ظاهرة سلبية توحى برفض الناس المشاركة فى العملية الانتخابية. وكل شىء له ظاهر وباطن. فالظاهر يبدو كذلك كما يظن الناس عزوفا عن العملية السياسية، وإدارة الظهر لها بطريقة مخاصمة الرجل لزوجته أو الزوجة لزوجها كما يصف القرآن الكريم. وهى طريقة المصريين. التصويت مؤثر شعبى، إيجابا أم سلبا، بالمشاركة أم بالامتناع. وقد يكون الامتناع أكثر دلالة على الحالة السياسية للشعب من المشاركة. فالامتناع يحتاج إلى إرادة فى حين أن المشاركة مجرد تعود واعتياد. وهى حالة عامة لا تخص الانتخابات السياسية العامة بل حالة النوادى والمؤسسات والهيئات التى يغيب فيها الناخبون. وقد تتحكم فى المشاركة كل وسائل الدعاية القانونية وغير القانونية من رشاوى وشراء الأصوات وقبليات. فالأغلبية مصنوعة. ولا تعبر عن الحالة السياسية للناخبين. وهو ما لوحظ من قبل عن ديمقراطية الصندوق المزيفة. والامتناع هنا مثل المشاركة فى التصويت المبالغ فيها لإسقاط مرشح يعبر عن النظام القديم، وإنجاح آخر يعبر عن الثورة الجديدة.

ليس التصويت فقط إما نعم أو لا، بل يكون الامتناع عن التصويت. وهو ليس حيادا بل مشاركة إيجابية عن طريق السلب. وقد يكون التصويت بنعم مزورة والتصويت بلا أكثر دلالة على العملية السياسية. أما الامتناع عن التصويت فإنه يبدو حيادا أو مجرد عدم مشاركة، بل هو تصويت إيجابى عن طريق السلب. والسلب عند الفلاسفة أقوى من الإيجاب.

الامتناع هو إيجاب مضاد عن طريق الرفض، رفض العملية السياسية كلها بشقيها نعم أو لا، كما يعنى رفض المرشحين للانتخابات كلهم سواء من الأحزاب القديمة أو الجديدة. فالأحزاب القديمة مثل الوفد والإخوان هى التى سيطرت على الحياة السياسية بأفكارها القديمة وتاريخها الذى مازال يؤثر فيها، ماضيها فى حاضرها. تغيرت مصر المعاصرة فى ثلاث جمهوريات وهى لم تتغير، الحاكمية للشعب أو الحاكمية لله ولكن كيف؟ والأحزاب الجديدة ليس لها رصيد شعبى بل تؤثر بأسمائها مثل «النور»، «حب مصر». فمن منا يحب الظلام؟ ومن منا يكره مصر؟ وباقى الأحزاب المشكلة حديثا لم يسمع عنها أحد ولا عن برامجها بالرغم من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تمر بها مصر، وهى بالعشرات ولا يعرف المواطن الفرق بين حزب وآخر كى يختار أفضلها. وما الفرق بين الفردى والقائمة؟ وهل مقياس صحة الانتخابات عدد الإناث بالنسبة للذكور؟ وقد تكون أنثى غير صالحة. ومع وجود الأحزاب القديمة وما لديها من خبرة سياسية فإن الغلاء يزداد، والأسعار ترتفع كل يوم. والفساد يستشرى فى أجهزة الدولة، من أعلاها إلى أدناها. والأحزاب الجديدة لا أحد يسمع عنها. هى مجرد تجمعات أصحاب مصالح اقتصادية أو سياسية لا برامج لها ولا جماهير ولا قيادة ولا نخبة، ولذلك يُحل البرلمان ويُعقد آخر كما يترك وزير ويأتى آخر. بل يترك رئيس ويأتى آخر.

لذلك امتنع المرشحون السابقون للرئاسة عن المشاركة فى المعركة الانتخابية. منهم من غادر البلاد بعد أن كان نائبا للرئيس. وكان من الأفضل أن يبقى دفاعا عن الحريات وحقوق الإنسان التى آمن بها. ومنهم من مرشحى الرئاسة السابقين من امتنع عن العمل السياسى لأن الجو غير مهيأ لذلك. وكان هو القادر على لم الشمل والجمع بين الإخوان والثورة. ومنهم من انضم إلى رجال الأعمال. فهم أنجح له.

وفى الوعى السياسى الشعبى يُعقد برلمان ويفض آخر. فلم تعد هناك ثقة فى هذه البرلمانات التى لا قاعدة لها. ويتساءل: وما الضامن فى استمرار البرلمان القادم والصراعات قد بدأت بين قواه؟ وهناك من يشك فى شرعيته لأنه يُقام فى نظام غير شرعى. وهو برلمان تحكمه المصالح. ويسيطر عليه رجال الأعمال ورجال الحكم السابق. وما تبقى من أحزاب دينية محاصرة بين النظام والشعب وبين نفسهم لأنها لم تعد قادرة على تغيير نفسها، فى القدرة على الحوار مع الآخرين أو العمل المشترك فى رؤية واحدة. وفريق ثالث انضم إلى رجال الأعمال. وجعل له فروعا فى السعودية والخليج لتجميع رأس المال، وقيادات دولية فى الغرب، توجه وترشد.

يبدو أن العملية الانتخابية كلها موجهة إلى الخارج دفاعا عن تهمة غياب الديمقراطية وخرق حقوق الإنسان. فما يهم هو الشكل دون المضمون. ففى الداخل آلاف المعتقلين يُفرج منهم العشرات ويعتقل غيرهم بالمئات. فالنظام العسكرى يؤمن بالطاعة وليس بالرأى والرأى الآخر. وتأمل السلطة القائمة تكوين حزبها من قوى البرلمان المختلفة التى لا شعبية لها. فتحصل على أغلبية يمكن الادعاء أنها هى الحاكمة، وليس الفرد أو السلطة العسكرية. ويمكن تزوير الانتخابات كما جرت العادة فى تاريخ مصر الحديث قبل الثورة وبعدها. ويمكن أيضا تكوين حزب المصالح ورجال الأعمال وينضم إليه رجال الحكم السابق وبعض التيارات الدينية. وبالتالى تكوّن هذه الأغلبية حزبا جديدا حاكما كما فعل الحزب الوطنى فى النظام السابق بعد القضاء على الاتحاد الاشتراكى العربى.

والأوضاع هكذا، فى هذه الحالة الامتناع عن التصويت أفضل. وهو انتخاب سلبى، انتخاب للبديل الغائب الذى مازال أملا فى الوعى ولم يتكوّن بعد بهذه العملية الانتخابية. السلطة فرحة فى الظاهر لأنه آخر مرحلة فى الانتقال الديمقراطى قد حددت أحد مكملات الدولة الحديثة بعد الدستور والقضاء والبرلمان. وهى حزينة فى الباطن لأنها تعلم أن العملية لم تتم وأن الامتناع عن التصويت هو رفض للنظام بالطرق السلمية. أما الشعب فهو حزين فى الظاهر لأن شكل الديمقراطية لم يتم ولكن فرح فى الباطن لأن هذا هو اقتناعه، أن الانتخابات لا تساوى شيئا. وسيأتى اليوم الذى يعلنها على الملأ. وينتهى النفاق عند الحاكم والمحكوم، بأن يكون ما فى الظاهر تعبيرا عن الباطن، وما فى القلب يجرى على اللسان. وينتهى التصفيق للتفريعة الثانية للقناة لحاقا بالتفريعة الأولى وتشبيهها بالسد العالى كمشروع عهد وقيادة. وينتهى عهد تصديق الوعود، والأسفار المتكررة للخارج للحصول على التمويل اللازم لها. وفى نفس الوقت الانشغال بمقاومة الإرهاب فى سيناء وفى الوادى ما دامت الجبهة المصرية الإسرائيلية قد سادها الوئام ولا تشتعل إلا مع قطاع غزة. والبرلمان الهوائى مثل الوعود التى تطلق فى الهواء أيضا عن العمل ضد البطالة، والعلاج ضد المرض، والتعليم ضد الأمية، والسكن ضد العراء. وكل ذلك مثل كثرة الأسفار، شرقا وغربا لتحسين سمعة مصر، وإعادة روابطها مع الخارج، وجلب الاستثمار لها. وسمع الشعب العديد من الخطب الرنانة لتقوية معنوياته، ومساعدته على تجاوز الأزمات، وإعطائه الأمل فى المستقبل. وتقوم بذلك القيادة كلها، مدنية وعسكرية.

وظن الناس أن الشعب المصرى ذو طبيعة هادئة حالمة. لا يثور ولا يغضب. يطيع الحكام. وقد يحدث الانفجار فجأة كما حدث فى يناير 2011. ويتحول السلب إلى إيجاب، من الامتناع عن التصويت إلى محاصرة البرلمان وإزاحته، وتكوين برلمان الشعب. وهنا تكون ثورة يناير 2011 مجرد بداية أو مثال تأتى بعدها الثورة الشعبية الفعلية التى لها قادتها. وتكون الطبيعة الدائمة الهادئة التى عُرف بها الشعب مجرد خداع. فقد عرفت مصر المعاصرة ثورة عرابى، وثورة 1919، وثورة 1952، وثورة 2011. والوعاء لم ينضب بعد. وينتقل الشعب كله من السلب إلى الإيجاب، ومن النوم إلى اليقظة، من الامتناع عن التصويت إلى المشاركة الفعلية. وفى هذه الحالة لن يدير ظهره من جديد.