كانت إسرائيل أول دولة عرفها العالم يتم إنشاؤها بقرار دولى هو القرار الذى أصدرته الأمم المتحدة فى ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ بتقسيم فلسطين، ويتلخص فى:
1ـ انتهاء الانتداب البريطانى الذى كانت تخضع له فلسطين منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1920، وهو الانتداب الذى سمحت فيه بريطانيا بزيادة أعداد اليهود الوافدين إلى فلسطين والذين أعطوا الشرعية العددية لإنشاء إسرائيل.
2ـ تأسيس دولتين فى فلسطين، إحداهما عربية وتحتل حوالى 11500 كيلومتر مربع تمثل حوالى 43% من مساحة فلسطين، والثانية يهودية ومساحتها حوالى 15200 كيلومتر مربع تمثل 56.5% من مساحة فلسطين، والجزء الباقى وقدره نصف فى المائة حوالى 14 كيلومترا للقدس.
3ـ إقامة إدارة دولية خاصة فى القدس.
4ـ تقام الدولتان اليهودية والعربية والإدارة الدولية فى القدس فى موعد لا يتجاوز اليوم الأول من شهر أكتوبر 1948.
حددت بريطانيا مساء ١٤ مايو ١٩٤٨ لخروج آخر جنودها من الأراضى الفلسطينية، ولكن الفلسطينيين يؤيدهم العرب أصروا على رفض قرار التقسيم وخيار الحرب لاستعادة كل الأرض للفلسطينيين، أما الإسرائيليون فقد أعلنوا فى 15 مايو 1948 دولتهم التى تسابقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى للاعتراف بها، إلا أن هذا الإعلان عن قيام إسرائيل لم يتضمن تحديد حدود لهذه الدولة كما هو المتبع فى الدول. وقد فسر دافيد بن جوريون أول رئيس لوزراء إسرائيل سبب ذلك فى تصريح نشرته صحيفة معاريف بتاريخ ٢٨ إبريل ١٩٧١، وقد قال نصا: لقد أدركت أن إسرائيل ستقام بقوة جيشنا لا بقوة قرارات الأمم المتحدة، ولهذا عندما سئلت كيف تعلن قيام الدولة دون أن تعين حدودها أجبت بأننا لسنا مجبرين على ذلك. فقد قامت الولايات المتحدة عندما كانت تضم ١٥ ولاية فقط ولم تعين الحدود فى إعلان استقلالها. ولو قبلت الدول العربية بقرار التقسيم ربما كنا قبلنا هذا القرار، ولكانت القدس والجليل الآن خارج الدولة. لقد كنت واثقا أن الجيش الإسرائيلى هو الذى سيخطط الحدود. وفى الحقيقة تم توقيع الهدنة (فبراير سنة ١٩٤٩)، واعترف العرب واقعيا بالحدود التى خططها جيش الدفاع الإسرائيلى وليس قرار الأمم المتحدة. (انتهى كلام بن جوريون).
ورغم حالة الغضب التى سادت الشارع المصرى وشوارع العديد من العواصم العربية، خاصة المحيطة بفلسطين، إلا أن أحداً لم يذكر كلمة الحرب التى يمكن أن تخوضها الدول العربية، وإنما كان الذى يتردد مساعدة ودعم الفلسطينيين بالمجاهدين الذين يساندونهم. ولم يخف رئيس الوزراء، محمود فهمى النقراشى، حقيقة عدم استعداد الجيش فى حديثه للبرلمان، وفى لقاء لرئيس الوزراء مع الملك فاروق يوم 14 مارس 48 سأل رئيس الوزراء فاروق- طبقا لشهادة حسن يوسف باشا، وكيل الديوان- إن كان مولانا يتصور موقفا تتدخل فيه القوات المصرية مباشرة فى فلسطين. وكان من بين ما قاله فاروق إنه ليس فى فكره قرار نهائى بذلك، وإن كان متأكدا «أننا لا نستطيع أن نقف متفرجين على ما يجرى فى فلسطين، وهو أمر يهم مستقبلنا وأمننا». ثم قال فاروق: وهل تظن يا باشا أننا نستطيع إرسال قواتنا عبر حدودنا إلى فلسطين ببساطة؟.. إن القوات الإنجليزية سوف تتصدى لمنعنا من ذلك على قناة السويس، وحتى إذا سمحوا لنا بالمرور بحجة تعزيز قواتنا فى سيناء فإنهم لن يتركونا عند رفح ولن يسمحوا بتجاوز خط الحدود. وبحسب شهادة حسن يوسف باشا فإن رئيس الوزراء خرج من مقابلته مع فاروق وقال لحسن يوسف، الذى كان يقوم بتوصيله إلى الباب الخارجى للقصر: إن مولانا أراح بالى وأدعو الله أن يريح باله دائما.
وكان هذا فى منتصف شهر مارس إلا أنه فى الأسبوعين الأولين من شهر مايو كانت كلمة الحرب على كل لسان. وأصبحنا نعيش فجأة أجواء الحرب التى ستدخلها الدول العربية معا ضد العصابات الصهيونية فى فلسطين. ولا أنسى أبدا يوم الجمعة ١٤ مايو ١٩٤٨ عندما ذهبت إلى محطة مصر وافترشنا أرض المحطة المواجهة للقطارات لتأدية صلاة الجمعة التى سيعقبها تحرك القطار الذى سينقل جنودنا فى الساعة الثانية بعد الظهر متجها إلى فلسطين. وصلينا ودعونا وبكينا وانفعلنا وصرخنا وجرينا وراء القطار عندما تحرك وجنودنا يطلون فى هدوء من شبابيكه. حتى اختفى القطار، وهدأت الانفعالات اطمئناناً إلى أنه مع اختفاء القطار وذهاب جنودنا، فقد بدأت الحرب وانتهت وعادت فلسطين الحبيبة إلى أبنائها. ولم أعرف إلا فيما بعد كم الأخطاء والجرائم التى ارتكبناها.