متشكر جداً ياأستاذ مراد

أيمن الجندي الإثنين 02-11-2015 21:26

أحس مراد وهو يسير بقامته الطويلة بجوار البيه القصير أنه أتعس رجل فى العالم.

البيه يبدو عليه القلق. يرنو إليه فى رجاء وكأنه قادر أن ينفعه أو يضره. هو مجرد مراسلة وظيفته تشهيل الأمور. يطوف به على مكاتب الموظفين مصحوبا بتوصية من العلاقات العامة. مصالح كبيرة فى تلك الوزارة المهمة التى تتيح للمحظوظين تخصيص أراضٍ وعقد صفقات بالملايين.

الحياة غالبا محيرة، وتخلو من المنطق. لأنك لو شاهدتهما وهما يسيران معا فى ردهات الوزارة لن تستطيع أن تتخيل أن القصير هو البيه ومراد مجرد مراسلة! البيه ضامر الجسد عكر اللون. أما مراد ففخم المظهر إلى حد لا يُصدق. طويل القامة، ممتلئ القوام، يفيض وجهه رواء ووسامة، ويوحى شاربه البنى الميال للأشقر بالرجولة والأصل الطيب. قد يبدو لك هذا أمرا يستحق الحسد إذا كنت لا تعلم حقيقة الأمور. بالنسبة لمراد فإن هذا المظهر الفخم، الجدير بنجوم السينما، هو أسوأ شىء حدث له فى حياته. لأن البهوات يترددون فى منحه «الحلاوة» بسبب مظهره الفخيم! فيما يغدقون على أقرانه المراسلة لأنهم يبدون- كما يجب أن يبدو أمثالهم- كشحاتين!

اقتحم غرفة المسؤول دون المرور بالسكرتير. الكل يعرف من أرسله. والبيه القصير لم يزل يرنو إليه فى رجاء. واضح أنه فى كرب عظيم. حسب ما فهم أن المشكلة تكمن فى شحنة القمح التى استوردها دون التفاهم مع محتكرى هذه السلعة الشبيهة بالذهب فى لونها ومغانمها! وقد نال جزاءه بالطبع! ما زالت الشحنة مركونة فى أرصفة الميناء! يهددها التلف إن لم تكن قد تلفت بالفعل. وبفعل فاعل طبعا، ومن ورائه البنك يهدده بالخراب.

انشغل المسؤول فى مكالمة هاتفية، وراح يهمس بشىء ما. وبدا البيه حائرا ويبحث عن أى قدم يقبلها كى يُفرج عن الشحنة ويتجنب السجن. وإذا به يقوم من مقعده ويشب على أطراف أصابعه كى يصل إلى أذن مراد، هامسا له أن يتوسط له هو الآخر ويُوصى عليه المسؤول. واضح أنه لا يدرى حقيقة وظيفته، أو لا يريد أن يصدق أنه مجرد مراسلة! لا يدرى من أين ورث هذا الجسد الفارع والملامح الوسيمة؟ وحتى كلما تعمد أن يلبس سترة قديمة أو قميصا غير مكوى فإنها تبدو لائقة له. آه لو شاهدت انطفاء وجهه نهاية كل يوم وهو يرى أقرانه مستندين على الحائط بأجسادهم الصغيرة يعدون النقود التى نالوها على سبيل «الحلاوة» وكأنهم يتعمدون أن يغيظوه.

البيه تهتز ركبتاه باستمرار. لكن المسؤول أخبره بوجه طلق أن أوراق الشحنة أمامه وقد وقعها بالقبول. أما بالنسبة للسوس الذى ينخر فى القمح، فلا مشكلة هناك. لا تقلق على أكباد المصريين!

وتعالت الضحكات المرحة. وشاهد مراد البيه وهو يزجى للمسؤول آيات المديح. لكل شىء ثمن طبعا، ولكن المهم أنه نجا من خراب البيوت.

والآن حانت اللحظة المهمة. كل ما سبق لا يعنيه. المهم بالنسبة إليه هو هل سيعطيه البيه «الحلاوة» أم لا؟

البيه متردد. يضع يده فى جيبه ثم يخرجها. ولعله يتساءل إن كان يجوز أن يعطى رجلا بهذه الفخامة؟ حاول مراد بكل وسيلة أن يتطامن. أن يرسم على وجهه المسكنة. أن يبدو كما هو فى الحقيقة فقيرا ومستحقا للصدقة. ولكن البيه فى النهاية حسم الأمر وهز يده بحرارة قائلا:

«متشكر جدا يا أستاذ مراد».

elguindy62@hotmail.com