هتك عرض مصر (رسالة غاضبة إلى الرئيس)

جمال الجمل الأحد 01-11-2015 21:53

(1)

ليس مهماً أن يحمل الرئيس بوكيه ورد أحمر، ويتجه إلى مستشفى عسكري لترضية مواطنة تعرضت للتحرش وسط حشد عام.

المهم هو دور الرئيس في تأمين كل السيدات (والرجال، والأطفال، والكهول، والوطن كله) من التحرش والمهانة، خاصة بعد ثورة رفعت شعار كرامة المواطن، وأخرى رفت شعار كرامة الوطن.

ترضية المواطن عبدالفتاح السيسي لضحية التحرش، مشكورة، واستقبلناها بالترحيب في بداية توليه الرئاسة رسميا، ورأيناها أسلوبا في الحكم، وليس مجرد سلوك مؤقت لا يتجاوز رومانسية «شهر العسل»، لكن السيسي منذ تنصيبه في يونيو قبل الماضي لم يعد فردا، ولم تعد ترضياته الشخصية كافية، خاصة وأنه حتى الآن يملك وحده ثلثي سلطات الدولة وأكثر.

(2)

سألت نفسي في هذه الأيام «المباركة» ونحن نقترب من إنجاز الديكور الديمقراطي لبيت الدولة: لماذا تحرك الرئيس وحمل الورد الأحمر لضحية واحدة، بينما يصمت الآن على انتهاك عرض مصر كلها؟

(3)

السؤال بهذه الصياغة «الاتهامية» قد يغضب الرئيس (وهذا ليس غرضي ولا مقصدي)، لكن لا بأس إذا كان الخوف من غضب الرئيس لا يقابله إلا القبول بما يحدث.. كل القيم والأخلاق والقواعد تنتهك في هذا البلد على الملأ، بقوة الأمر الواقع، وعنجهية المسيطرين.. كل القيم والأخلاق، (والدستور نفسه) عرضة للتحرش والانتهاك باسم الضرورة، فلماذا يصمت الرئيس؟

* لماذا يصمت على إهانة المصريين في الخارج؟، لماذا لم نر تدخلا رسميا في قتل مصري دهسًا، وحبس وترحيل آخرين كالعبيد في الكويت الشقيقة؟

* لماذا يصمت على فجور الإعلام الموالي له (والمتحدث باسمه)، لدرجة أن مذيعا عباسيا يتبجح في اليوم الأول من الانتخابات البرلمانية ويقول لمراسله الذي يتحدث عن ضعف مشاركة الناخبين: البرلمان خلاص اتعمل سواء الشعب نزلا أو مانزلش، ولدرجة أن مذيعة عباسية تستخدم شاشة التليفزيون الذي تعمل به في انتهاك عرض مواطنة فيما عرف بجريمة «فتاة المول»؟

* لماذا يصمت على تدني الأداء الدبلوماسي لدرجة أن مصر تخرج عن المجموعة العربية وتصوت لصالح قائمة تضم «إسرائيل» في إحدى لجان الأمم المتحدة، بالرغم من أن مصر تتبنى مبادرة إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي، وتقف على النقيض من تل أبيب في هذا الملف تحديدا، وبالرغم من أن الرئيس يعتبر أن جهوده في ملف العلاقات الخارجية هي «درة التاج» في إنجازاته؟

* لماذا يصمت على الهجوم الفاجر ضد ثورة 25 يناير، لدرجة ان أحد «العباسيين» يتجاسر ويعلن أن فوزه في انتخابات البرلمان صفعة على قفا عملاء 25 يناير؟

*لماذا يصمت على توصيف عباسي آخر لثورة يناير بأنها «مؤامرة»؟

ولماذا يصمت على تهديد ذلك العباسي المنفلت بضرب أنصار ثورة يناير «بالجزمة»؟

وبدون إساءة أدب: ألا يشمل هذا التهديد الدستور الذي ينص على أن يناير ثورة وليست مؤامرة؟. ألا يشمل أيضا سيادة الرئيس الذي يقر في كل مناسبة أن 25 يناير ثورة؟

لقد قال العباسي المنفلت على شاشة تليفزيون عام يدخل بيوت المواطنين وتحت سمع وبصر سلطات الدولة وفقهاء القانون وحماة الوطن: إن 25 يناير مؤامرة، واللي مش عاجبه ياخد بالجزمة!

أنا كمواطن مش عاجبني، وهذا يعني أنني مهدد بـ«جزمة» ذلك المنفلت، فهل يعجبك انت ياسيادة الرئيس أن 25 يناير مؤامرة؟، وهل تقبل أن تكون رئيسا لمواطن مهدد بالضرب بالجزمة؟، وبصراحة أشد: هل تشعر أن هذه الإهانة موجهة لك شخصيا ولنظامك كله؟

(4)

قد أكون غاضبا لكنني لا أسعى إلى مشاحنة، أو مزايدة، أو كراهية، أو خصومة، بل أسعى إلى طريقة للعتاب ومدخل للإصلاح، فالعباسيون ينتفضون من أجل اسكتش فكاهي يسخر من حال التليفزيون في ماسبيرو، والعباسيون ينتقدون مسؤولا عن أكبر صحيفة قومية لأنه دافع عن كرامة مؤسسته ومكانة بلده في مواجهة غطرسة مجرد سفير تجاوز دوره وتضخمت مكانته حتى أصبح يحكم ولا يمثل!، والعباسيون يحاكمون رئيس تحرير مجلة ثقافية قومية بسبب نشر نص أدبي يتضمن الفاظا خادشة للحياء، والرئيس نفسه يغضب من محام تحول إلى الإعلام (خالد أبوبكر، وبالمناسبة هو عباسي صالح من أشد مؤيدي الرئيس) لأن ناقلا نقل للرئيس أن الإعلامي قال: «الرئيس قاعد مع شركة سيمنز وسايب إسكندرية تغرق»، مع أن «الكيوت» لم يقل ذلك، بل كان يدافع عن الرئيس مهاجما الحكومة التي تزعجه بإدارة ملفات، كان من الواجب أن يقوم بها وزير الكهرباء مثلا، فليس من المنطقي أن يجتمع الرئيس مع المديرين التنفيذين للشركات ويدير كل شىء بنفسه!

ما يعنيني هنا هو السؤال: إذا كان النظام يغضب مما يمسه ويهددنا عباسيوه بالقفا والجزمة، وإذا كان سيادة الرئيس يأخذ بما ينقل إليه من مساعديه (دون مراجعة) ويرى أن به «كلام مش معقول.. وما يصحش كده»، فلماذا لا يغضب هذا النظام «أبودم حامي» من أجل الشعب؟

لماذا لا يغضب من أجل الدستور؟

لقد كتبت قبل أيام مطالبا الرئاسة بتوضيح موقفها من دعاوى تعديل الدستور بما يعطي الرئيس حق الترشح الأبدي، وتوسيع صلاحياته على حساب الحكومة والبرلمان، لكن أحدا من هذا النظام لم يغضب من أجل الدستور، ولا من أجل شرف المواطن وكرامته، بل ولا من أجل حياته المهدورة في الداخل والخارج.

..............................................................................................................

وغدا أواصل الغضب

جمال الجمل

tamahi@hotmail.com