كل اللى بنحاول نفهمه، ماذا نقول لأبنائنا عن إسرائيل، ماذا نقول لأحفادنا، المدرس فى الفصل ماذا يقول للتلاميذ، الشيخ فى الجامع يقول إيه على المنبر، القس فى الكنيسة يقول إيه فى عظة الأحد، التليفزيونات وبتوع التوك شو علشان يعرفوا يوحدوا موقفهم، الخطاب الرسمى وتصريحات المسؤولين أيضا، المناهج الدراسية لازم تكون واضحة، المؤرخون وكُتَّاب السيناريو ومنتجو الأعمال الدرامية بصفة عامة، الصحف والمقالات والتغطية الخبرية.
إسرائيل عدو، ولّا حبيب، دولة صديقة ولّا معتدية، دولة محتلة ولّا معتدَى عليها، نور عنينا ولّا ظلام دامس، بصراحة بعد ٦٧ عاما من الشحن والضغط تحت عناوين العدو الصهيونى، العدو الإسرائيلى، دولة الاحتلال، وما نراه واقعا حتى اللحظة من احتلال، واغتيالات، وقتل بدم بارد، وإقامة مستوطنات، وترويع، واعتداء على نساء وأطفال، ثم بكل بساطة نسمع من يقول إن إسرائيل دولة صديقة، هو سبب كاف بانفصام فى الشخصية، قد يصيب الشعب دفعة واحدة.
بين ليلة وضحاها استيقظنا أمس الأول على خبر، أعتقد أنه أصابنا جميعا بالدهشة، حتى من لم يستنكروه، حتى من يؤيدونه، وذلك لأن عامل المفاجأة هنا كان صارخا بالنسبة للجميع، وهو أن مصر صوتت لصالح إسرائيل، أو انتخبت إسرائيل لعضوية لجنة الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجى، ومقرها فيينا، الخبر يحمل فى طياته الإثارة من عدة وجوه.
الأمر الأول: أن ٩ دول عربية وهى، سوريا وقطر والجزائر وتونس والمغرب والسعودية واليمن والكويت وموريتانيا، امتنعت جميعها عن التصويت، رغم الموافقة المصرية، وذلك حتى لا يسجل التاريخ أنها صوتت لصالح إسرائيل يوما ما، الأمر الثانى: هو أن ٦ دول كان يجب التصويت لها للانضمام إلى هذه اللجنة، وهى قطر والإمارات وسلطنة عمان، إضافة إلى إسرائيل وسريلانكا والسلفادور، وأصرت الولايات المتحدة على التصويت للدول الست بنظام الكوتة دفعة واحدة، حتى تضمن تصويتا كبيرا لإسرائيل، إلا أن الدول العربية السابق ذكرها رفضت التصويت رغم وجود ثلاث دول عربية بين الدول الست، الأمر الثالث: أن دولة قطر رفضت التصويت أيضا على الرغم من أنها من بين الدول المرشحة، مسجلة موقفا جديدا فى هذا الإطار، الأمر الرابع: أن ليبيا ولبنان والأردن تغيبت عن الجلسة ربما استشعارا للحرج.
الغريب فى الأمر هو ذلك التبرير المصرى الصادر عن وزارة الخارجية، والذى يتعامل مع الموضوع، كانتخابات مراكز الشباب لدينا، أو انتخابات اللجان النقابية، ففى تصريح صبيانى على أقل توصيف قال المتحدث، إننا انتخبنا إسرائيل من أجل الدول العربية الأخرى، هو إذن يتحدث وكأن موقف الدول العربية التسع التى امتنعت عن التصويت لن يكون معلنا، الرأى العام لن يعلم عنه شيئا، أو حتى عن الدول التى تغيبت، بالتأكيد هو يقصد هنا التصويت لدولة الإمارات تحديدا، دولة الرز، بالتأكيد لا يقصد لا سلطنة عمان ولا قطر، كان بالأولى أيها المتحدث أن تكون المجاملة للإمارات من السعودية بالدرجة الأولى، الرز للرز أقربُ، كان بالأولى أن تنتخب قطر نفسها، ومعها إسرائيل، ما دامت لها مصلحة، لم يكن هناك ما يشينها حينذاك، كان بالأولى أن تلتزم الخارجية الصمت، حتى لا تواجَه بكل هذا الغضب على مواقع التواصل الاجتماعى، وكل هذه السخرية فى الشارع.
أعود لنقطة البدء، إسرائيل عدو ولّا حبيب، الشيزوفرينيا ليست فى صالح أحد، سمعنا قبل ذلك من يقول إننا نحارب الإرهاب فى سيناء لأنه يشكل خطرا على إسرائيل، ومن يقول يجب أن ندعم بشار الأسد لأن سقوطه ليس فى صالح إسرائيل، وفى نفس الوقت نحن نُعلِّم أولادنا أن إسرائيل دولة جرثومة بالمنطقة، أن إسرائيل نبت شيطانى فى الجسد العربى، أن إسرائيل دولة لقيطة من الشتات، أن إسرائيل دولة قامت على العدوان، وعلى أنقاض مئات الآلاف من جثث المدنيين العزل، والآلاف من شهدائنا، أن إسرائيل دولة محتلة، معتدية، لن تستمر طويلا، هكذا قالت الكتب السماوية، وهكذا قراءة التاريخ.
قبل ذلك قامت الدنيا ولم تقعد حول كلام من أحد الكُتاب فى تل أبيب، موتور ومبتور، أن حسنى مبارك (الرئيس السابق) كنز استراتيجى لإسرائيل، ما حدث أمس الأول فى اجتماعات المنظمة الدولية أيها السادة، لم يحدث على مدى ثلاثين عاما هى مدة حكم الكنز مبارك، وأيضا لم يفعلها الرئيس السادات، الكنز الآخر، الذى عقد اتفاقية سلام مع تلك الدولة المحتلة، على الرغم من أن الرُز الأمريكى فى ذلك الحين كان هو عماد اقتصادنا المتدهور فى ذلك الوقت.
على أى حال، قد يكون ما حدث سقطة مصرية خارجية، تضاف إلى سقطاتنا الداخلية اليومية، الهدف منها مجاملة دولة الإمارات ليس إلا، على الرغم من أن التاريخ سوف يكشف أنها لم تكن مجاملة، بقدر ما كانت فخاً سقطت فى أوحاله السياسة المصرية، وبدلا من أن كنّا نقود التصويت العربى فى المحافل الدولية، أصبحنا نُغرد وحيدين وسط غموض فى كل المحافل، وظلام فى الأعين غير مسبوق، أسفر عن تعقيب من تل أبيب على ما حدث، بأنه يوم تاريخى، يأتى تتويجا للسياسة الخارجية الإسرائيلية الناجحة.