فاجأنى الطبيب المصرى المقيم فى بريطانيا، حين قال إن الذين يطلبون من الرئيس السيسى أداء أفضل مما هو حاصل، على مستوى الداخل، ليسوا أمناء مع أنفسهم، ولا هم أمناء مع الرئيس، لأن الأمانة تقتضى أن نقول إنه لن يؤدى وحده، وإن على كل واحد من المصريين أن يؤدى فى مكانه، بما يرضى الله!
كان ذلك مساء السبت قبل الماضى، وكنت أتناول بيتزا فى أشهر محل لها فى شارع الشانزليزيه فى باريس، وكان الطبيب قد جاء مع امرأته وابنته، لقضاء أسبوع فى فرنسا، وكان الثلاثة يتناولون البيتزا مثلى!
هو من المنصورة، ويقضى سنوات قليلة فى لندن، من أجل الدراسة والتدريب، وسوف يعود قريباً، ويبدو أن إقامته منذ عامين هناك قد أعطته ميزتين لا يملكهما المصرى المقيم فى بلده: أما أولاهما فهى أنه يرى الصورة من بعيد، وليس من قريب، ولا من داخلها مثلنا، ومن شأن أى رؤية من هذا النوع أن توفر لصاحبها نظرة إلى الأمور أفضل.. وأما الميزة الثانية فهى أنه قد صار عملياً أكثر أيضاً، بمعنى أنه قد تعلم هناك كيف يكون أكثر واقعية فى النظر إلى شتى الأمور، ومنها، بل على رأسها، قدرة الرئيس على الأداء، ومع الأداء الإنجاز!
وهو لم يشأ أن يكون كلامه نظرياً، وإنما ضرب مثلاً بأن قال إنه هو نفسه لو كان رئيس قسم «شاطر» فى جامعته، فإنه كطبيب لن يستطيع أن يقوم بالجراحات كلها بيديه، مهما كانت براعته، ومهما كانت طاقته على العمل، ومهما كانت مهارته فى إجراء أى جراحة، فلابد فى النهاية أن ينسب لأعضاء القسم أعمالهم، وأن يؤدى كل طبيب منهم مهمته فى مكانه، وأن يكون، وهذا هو المهم، أميناً فى أداء ما سوف يكون عليه أن يؤديه!
قلت: ولكن إذا نقلنا الكلام إلى مستوى الرئيس، فهو، أولاً، مسؤول عن الدولة كلها، وهو، ثانياً، الذى سعى لأن يكون فى هذا الموقع من مواقع المسؤولية.. ثم إنه مطلوب منه، ثالثاً، أن يحسن اختيار الذين عليهم أن يؤدوا بجانبه، ويخلصوا، بمثل ما يؤدى هو ويخلص.. وعندما يقصر واحد منهم فى الأداء، أو يكون إخلاصه دون المستوى، فهذا المقصر، والرئيس معه، مسؤولان معاً سواء بسواء: الأول لأنه لم يكن عند مستوى حسن الظن، والرئيس لأنه أساء الاختيار!
قال الطبيب: هذا كلام صحيح جزئياً، ولكن الرئيس إذا أراد أن يرصف طريقاً، مثلاً، فسوف يكلف آخرين بذلك، وسوف لا ينزل عندئذ ليرصفه بنفسه، ولن يكون عنده الوقت ليظل يراجع ما تم منه، ومدى الجودة فيه، فعنده عشرات، بل مئات الملفات الأخرى، وما لم يكن كل مصرى «سيسى» فى مكانه، من حيث الإخلاص، ومن حيث الأمانة مع بلده، ومن حيث الرغبة الجادة فى تقديم شىء حقيقى للبلد، فلا يجب أن نراهن على شىء كثير!.. وأكاد أقول ولا حتى على شىء قليل!
قلت: الرئيس عندما أراد الإنجاز فى مشروع قناة السويس، أنجز، لأنه حدد هدفاً، ووضع سقفاً زمنياً للإنجاز، وليس أمامه سوى هذه الطريقة فى العمل، على أن يبدأ بالصحة، ومعها التعليم، رأساً برأس، وبالتوازى مع سائر الملفات المدروسة جيداً، وأكرر المدروسة جيداً، لا الملفات العشوائية مع نوع المليون ونصف المليون فدان، أو العاصمة الإدارية الجديدة، أو حتى توشكى الجديدة.. وبدون ذلك سوف نواجه مشكلة كبرى!