الروشتة الهندية

محمد كمال الأحد 01-11-2015 21:23

قام الرئيس السيسى بزيارة الهند فى الأسبوع الماضى، والتقى رئيس وزرائها «نارندرا مودى». بعض وسائل الإعلام المصرية استعادت ذكريات العلاقات بين البلدين، وبين «نهرو» و«عبدالناصر» فى الستينيات.

الهند التى زارها السيسى تختلف كثيرا عن الهند فى الستينيات، و«مودى» يختلف عن «نهرو». الهند ارتبطت فى الذاكرة المصرية بحزب المؤتمر الذى قاد حركة الاستقلال والدولة لسنوات طويلة، الحزب الذى قدم رؤساء الوزراء مثل «نهرو» و«أنديرا غاندى» و«راجيف غاندى» وكان آخرهم «مانموهان سنج» (2004- 2014).

حزب المؤتمر خسر الانتخابات الأخيرة التى أجريت فى مايو 2014، وكان السبب الرئيسى هو السياسات الاقتصادية التى تبناها فى السنوات الأخيرة، والتى قامت على خليط من الشعبوية والاشتراكية والمواءمات السياسية، وركزت على قضية التوزيع والدعم الاجتماعى وأهملت السياسات المحفزة للنمو الاقتصادى. وأدى ذلك لازدياد العجز فى الموازنة وارتفاع التضخم والبطالة وتدهور القطاع الصناعى وهروب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة لانتشار الفساد الذى ارتبط بزيادة دور الدولة.

فاز حزب «بهاراتيا جناتا» بأغلبية ساحقة، وتبنى زعيمه ورئيس الوزراء الحالى «مودى» فلسفة اقتصادية مختلفة قامت على فكرة «النمو أولا»، وأنه بدون تحقيق نمو اقتصادى لا يمكن تبنى عدالة اجتماعية أو سياسات توزيعية لأنه لن يكون هناك شىء يمكن توزيعه.

أدرك «مودى» أن دور الدولة الاقتصادى ليس هو الحل وأنه ربما يكون جزءا من المشكلة، وأن الحل فى يد القطاع الخاص والاستثمار الأجنبى. لذا قامت الحكومة بترشيد الدعم، وتقليص حصة الدولة فى الشركات العامة والشركات المشتركة، وتبنت شعار أن الهند تحتاج حكومة أصغر ولكن أكثر كفاءة.

وتبنى «مودى» حزمة من البرامج لتشجيع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبى وفتح مجالات جديدة أمامها والقضاء على الثقافة المعادية لهما. فقام بإصلاح قوانين العمل والتى أدت من قبل إلى الإحجام عن الاستثمار، وإصلاح نظام الضرائب بتبسيط الإجراءات، وتحقيق استقرار ضريبى بحيث لا يفاجأ المستثمر بضرائب جديدة تربك خططه أو تطبق بأثر رجعى (تم تخفيض معدل ضريبة الشركات من 30% إلى 25% على مدى السنوات الأربع القادمة).

وأدركت الحكومة الهندية الجديدة أن الاستثمار يرتبط بتسهيل الحصول على الأراضى لإقامة المشاريع، فتبنت قانون «الاستحواذ على الأرض» الذى استهدف رفع القيود التى كانت تجعل الحصول على أرض يستغرق عدة سنوات، وحل المشاكل المرتبطة بالمنازعة على الملكية والحصول على التراخيص.

لم تعط حكومة «مودى» الأولوية للقطاع الزراعى، وتخلت عن فلسفة المشاريع الضخمة التى تبناها حزب «المؤتمر» فى هذا المجال، وركزت على هدفى زيادة الإنتاجية من خلال تجويد الأسمدة وتحسين البذور، وترشيد المياه من خلال تطوير شبكة الرى.

فى المقابل، اهتمت بشكل خاص بالمجال الصناعى، فتبنت برنامج «اصنع فى الهند» والذى استهدف خلق فرص عمل جديدة من خلال تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع الاستثمار فى الصناعات كثيفة العمالة مثل المنسوجات، والأحذية، وتجميع الأجهزة الإلكترونية.

روشتة «مودى» الاقتصادية حققت نتائج مبهرة خلال عام واحد من وصوله للحكم، فارتفع النمو الاقتصادى إلى 7.4%، وازداد الاحتياطى الأجنبى بمقدار 12%، وتوسع القطاع الصناعى بحوالى 7%، وانخفض التضخم من 8.3% إلى 4.8%، وازداد الاستثمار الأجنبى من 20 مليارا إلى 29 مليار دولار، وارتفعت قيمة العملة الهندية وانخفض عجز الموازنة.

الخلاصة هى أنه إذا كنا لانزال نجهل الطريق للتعامل مع الأزمة الاقتصادية فى مصر، فإن «الروشتة الهندية» تقدم دروسا فى الرؤية والتطبيق يمكن الاسترشاد بها.

makamal@feps.edu.eg