- (في أي يوم)
كلنا يصدق روايته/ كلنا يسعى لجبر الخاطر/ كلنا ماض لسفينة نوح/ وحين وصلنا لمقدمة البحر/ كانت السفينة قد غرقت.
(مروة أبوضيف)
........................................................................................................................
(الأحد- 31 اكتوبر 1999)
سحابة الدخان تكتم أنفاس القاهرة وطعم الموت يملأ نفوس المصريين، بعد أنباء سيريالية عن اشتباكات كويتية مع الصعايدة، وأنباء متضاربة عن ضحايا الطائرة المصرية المنكوبة.
وصلتني الأوراق والكتب من مجدي حسنين في موعدها عصرا مع رسالة تؤكد على اتصالي به في المساء للاتفاق على موعد الغد.
حتي التاسعة والنصف لم يتصل مجدي وشبكة المحمول تفصل بيني وبينه، أكدت على حنان زوجته أن يتصل بي فور وصوله.
* للمرة الاولي في تاريخ علاقتنا الطويل يخلف مجدي موعده، واتصل به فينكر نفسه!
(الاثنين- أول نوفمبر)
رحلة قصيرة داخل قوقعة الأوهام
(الثلاثاء- 2 نوفمبر)
أنت فين يا مجدي؟
كل ما أسأل عنك يقولولي كلام غريب من نوع: «تعيش انت».. «البقاء لله». هو أنا اعترضت يا أخي ان البقاء لله، وإني عايز أعيش؟.
فينك يا مجدي؟، جهزت لك مادة «زمن الحكي» ونسخة من رواية «خوزيه سارنيه». على فكرة كنت عايز أسألك آخر مرة شفتك فيها: مالك شكلك تعبان؟.
كفاية جري.. على مهلك.. تعبنا يا مجدي ومابقيناش نستحمل البهدلة دي كلها، معرفش ليه المواضيع في آخر مرة كانت بتتغير فجأة، قعدنا ننط من موضوع لموضوع بسرعة.. عناوين كثيرة وكلام مقصقص كأننا موظفيين بنقفل ملفات.
على فكرة انا كلمتك بالليل كالعادة، رد على واحد قلت له: ازيك يامجدي
برضه قال لي: مجدي تعيش انت!
إيه الحكاية؟.. انت غيرت اسمك وللا ده «سيم»، وحركة ساخرة من حركاتك؟ أرجوك نفسي أشوفك ومستني تليفونك المعتاد بعد نص الليل.
(الأربعاء- 3 نوفمبر)
شوفت صورتك في «الأهالي» انهارده.. أيوه يا عم بالألوان وفي الصفحة الأولي شكلها كدة ترقية لمدير تحرير، أو مجموعتك القصصية الجديدة هزت الدنيا، غريبة انك خبيت عليا رغم انك كنت معايا يوم السبت. انت عمرك ما عملتها، بمناسبة الوعد اللي طلبته مني لكتابة مقدمة المجموعة الثانية: ياراجل إنسي.. انت لسه عايش في الوهم؟.. جمال الجمل اللي إنت تعرفه محدش غيرك يعرفه، أنا نكرة، وعاطل مع سبق الاصرار والترصد.. بذمتك دا زمن الواحد يكتب فيه؟، وللا دي نخبة الواحد ينتمي لها؟.. يا صاحبي أنا مبسوط كده، وأنت صعبان على وانت شايل فوق راسك ميت قربة مخرومة من كل حتة.
كلمنى عشان أعرف هتعمل إيه في عيد ميلاد محمد.
(الخميس- 4 نوفمبر)
كلمت حسنين كروم إنك هتواصل شغلك في«القدس»، قاللي كلام عجيب عن ضرورة موافقة لندن وأمجد ناصر، وحاجات غريبة، عموما الراجل معذور وانت غلطان يا مجدي أنا اكلمه ليه؟. هو يعرفني منين؟ كان لازم تروح بنفسك، إلا اذا كنت سمعت كلامي وضربتها صرمة، وعرفت أن كل ده كلام فاضي لملء الصفحات وتسليك المسائل كل واحد حسب مصلحته.
* على فكرة كروم برضه قاللي البقية في حياتك! أنا مبحبش الألغاز.. انت مبقتش تتصل ليه؟.. هو فيه ايه؟
(الجمعة- 5 نوفمبر)
قريت النهارده قصة محمد عن السلحفاة أم عجلات، الله يخرب مخه دا الواد طالع موهوب زي ابوه، جايب منين خيال الاطفال المدهش ده في زمن تليفزيون صفوت الشريف الملعب إلى بيسرق براءة الاطفال ويجهزهم لزمن العولمة؟.
عموما أنا هجيب له هدية كويسة بس انت اظهر وبان عشان بدأت اقلق عليك.
بيقولوا لي مجدي هلك في مؤتمر المرأة، قلت لهم مش مهم التعب، المهم إنه قدم نشرة نموذج كشفت النشرات الزبالة اللى اتهرينا منها في المؤتمرات والمهرجانات.
*على فكرة.. إيه حالة الحب اللى انفجرت تجاهك من كل الناس اليومين دول؟. دا انت طلعت عزيز على ناس كتيرة قوي يا مجدي.
* أنا عايزك.. فيه كلام كتير لازم نكمله.. اتصل
(السبت، الأحد.. الخميس، لايهم.. تشابهت الأيام)
الفتي الذي كان يحمل حقيبة ضخمة مكدسة بالاوراق والأحلام/ هجر برنامجه اليومي/ ولم يعد كما كان/ اكتفي بزيارتي في الأحلام/ يباغتني وقتما يشاء/ يفضل لحظات الصمت/ ووقت الصلاة/ وأثناء الاستماع إلى محمد عبدالمطلب في السيارة/ ينتزع الدموع بقهقهاته الساخرة/ لكنه لم يعد كما كان/ لم يعد يهتم بثرثرات المساء/ وجمع الأوراق/ ومتابعة الحروب الصغيرة بين مليشيات الثقافة/ الفتي الذي أسلمته مفاتيح أسراري/ بدل أسلوبه في الحياة/ وتركني وحيدا في العراء/ عند بوابة القرن الجديد/ وبين لحظة وأخرى/ يتجلي من شرفةٍ في السماء/ يشير لي ضاحكا لألحق به/ لكنني ../ لكنني.../ لكنني
لكنني لا أعرف الطريق/ ولا أستطيع الطيران
والأهم أنه يعرف/ أن وقتا لا يزال أمامنا هنا/ لاستدراك أحلامنا المؤجلة/ لذا أفضل أن أبقي هنا مصلوبا/ بين ظله في الأرض/ وروحه في السماء.
* ليس مقالا، لكنه رسالة نشرت في كتاب تأبين الصديق الراحل مجدي حسنين الصحفي والقاص الذي غادرنا مسرعا في خريف 1999، لنشيخ نحن، ويظل هو شابا فتيا يثير فينا الذكريات
- المفتتح، إضافة جديدة للرسالة من أشعار الصديقة مروة أبوضيف
جمال الجمل
tamahi@hotmail.com