اللى مش عاجبه البلد..

عبد الناصر سلامة الجمعة 30-10-2015 22:05

على مدى عدة أسابيع، شاهدنا بعض بتوع الفضائيات، وأحياناً بعض الضيوف أيضاً، وهم يرددون: اللى مش عاجباه البلد يمشى، أو اللى مش عاجباه سياسة البلد يسيبها ويرحل، وتكررت هذه النبرة أكثر من مرة، دون استنكار رسمى من أحد المسؤولين، ولو على سبيل المجاملة للشعب الذى يسعى معظمه إلى الرحيل بالفعل، لولا أن العملية صعبة، فالجميع يعلم أن التنفيذ على أرض الواقع لتلك الكلمة البسيطة- يمشى- عملية ليست سهلة أبدا، إلى أين، والجهة التى سوف تقبله، وتكلفة ذلك، والارتباط الأُسَرى، وحب الوطن، والارتباط بالأرض، إلى غير ذلك من أمور كثيرة، بالتأكيد لا يعيها إخواننا الفضائيون ما داموا يتقاضون الملايين، اللهم لا حسد، ولا إخواننا الضيوف من أصحاب المصالح.

الآن، نبرة جديدة سمعناها أكثر من مرة أيضا، بعد أن فقدوا الأمل، وضاقت بهم السبل فى حث الناخبين على التصويت فى الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية، وهى: ما تنزلوش، البرلمان خلاص جاهز، بِكُم أو من غيركم البرلمان هايتعمل، بمعنى آخر، إن شالله ما نزلتم.

السؤال هو: باسم مَن يتحدث هؤلاء؟! إذا كانوا يتحدثون بصفة رسمية نيابة عن الدولة، فنحن أمام كارثة، وإذا كانوا يتحدثون بصفتهم الشخصية، فنحن أمام جنون، فى الحالتين هو انفلات إعلامى، وأخلاقى، وسياسى، واجتماعى غير مسبوق، مَن الذى نصّب من أى أحد وصيّا على الناس، حتى يقرر أنهم يغادرون وطنهم لسبب أو لآخر، وبأى حق يمكن أن يتصور هذا أو ذاك، مهما كان شأنه، أنه أكثر مواطَنة من الآخرين؟!

مطلوب من هؤلاء، سواء بتوع الفضائيات، أو مثل هؤلاء الضيوف، التواجد فى الشارع فقط وسط الناس الطبيعيين، ولو لعدة دقائق، ليروا مَن الذى سوف يمشى، مَن الذى سوف يهرول إلى خارج القارة، وليس خارج الوطن فقط، مَن الذى سوف يُضرب على قفاه وعلى مؤخرته حتى يظهر له صاحب، والصاحب هنا هو الشرطة بالتأكيد، التى يعيشون فى حمايتها كلما تبنوا مثل هذه المواقف التى تبخس حقوق الناس..

بالتأكيد لا يمكن أن يقبل أى عاقل أو شريف بمثل هذا الطرح، كان من المهم أن تتبنى الدولة من خلال الإعلام حملة استطلاع رأى واسعة، للوقوف على أسباب عزوف المواطنين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، كان من المهم السعى سريعا إلى علاج أوجه القصور لتدارك الأمر مع مرحلة الإعادة، أو حتى الجولة الثانية من الانتخابات، كان من المهم أن تعتذر الدولة رسميا عن كل القصور الحاصل على الساحة، حتى يمكن احتواء غضب الناس وسخطهم.

ماذا يعنى توجه رئيس الدولة بصفة شخصية إلى الناس مباشرة ليلة الانتخابات يناشدهم المشاركة، إلا أنهم لا يستجيبون، ما تفسير ذلك فى كل العلوم، السياسية والاجتماعية والأخلاقية؟ الإجابة البسيطة هى أن هناك شيئا ما خطأ، ولن نخوض أكثر من ذلك، ماذا يعنى ذلك الفشل الإعلامى الذريع فى حث الناس على المشاركة، الإجابة بكل بساطة أننا أمام إعلام فاشل، قد لا يشارك الناس فى أى انتخابات، هو أمر طبيعى، إلا أن ما ليس طبيعيا هو تلك الحالة من السعادة بعدم المشاركة، والتى عبّرت عنها مشاركات مواقع التواصل الاجتماعى بكل فنون الكوميديا، من كاريكاتير، ونكات، واقتباس من أفلام، ومسلسلات، ومسرحيات وخلافه.

فى المقابل، كان هناك مَن يسب ويلعن الشعب، فى المقابل كان هناك مَن يرى أن الشعب لا قيمة له، نحن لا نتحدث هنا عن نسبة مشاركة بلغت 2%‏ فى اليوم الأول، ثم أصبحت بقدرة قادر 26%‏ فى اليوم الثانى، ولا نتحدث هنا عن نوعية المرشحين، ولا الشكل الغريب المنتظر للبرلمان الجديد، نحن فقط نتحدث عن أهمية احترام الناس الذين هم عماد الوطن، وليس عن هؤلاء المسؤولين، أو بتوع التليفزيون، الذين يتقاضون رواتبهم فى النهاية من تعب وعرق المواطن البائس الذى ضاقوا به ذرعا، وأصبحوا يطالبونه بالرحيل.

ثُم ماذا بعد أن يرحل الشعب من وطنه، أنتم كمسؤولين سوف تحكمون مَن؟ وأنتم يا بتوع التليفزيون، مَن سيشاهدكم، وهؤلاء وهؤلاء من أين سيتقاضون رواتبهم إذا لم يكن هناك شعب يسدد ضرائب، ويدفع رسوما هنا، وجمارك وإعلانات هناك، أعتقد أنه عبث غير محسوب العواقب، حيث أخشى من اقتراب ذلك اليوم الذى سوف يغادر فيه البلاد كل هؤلاء المتحذلقين قسرا، بأمر من الشعب، بالتأكيد هى ممارسات مُشينة فى حاجة إلى اعتذار سريع، على كل المستويات.

الأمر الآخر، هو أنه إذا كان هناك نظام ما سوف يقبل أن يحكم شعبا على غير إرادته، فهى طامة كبرى، وإلا لما كانت كل حالة الاحتقان هذه فى الشارع، وإذا كان هناك برلمان سوف يعبر عن نسبة 2% أو أكثر قليلا من الشعب، فالطامة أكبر، وإلا لما كانت كل هذه التوقعات بعدم استمراره، وبالتالى فإن العملية برمتها تحتاج إلى إعادة نظر، فى السياسة، كما فى الاقتصاد، كما فى الإعلام، وإلا فإن الجميع فى مأزق حقيقى، وإن غدا لناظره قريب.