رسالة الخمسة والسبعين فى المائة الذين خذلوا السيسى!

سعد الدين ابراهيم الجمعة 30-10-2015 22:06

أعلن المستشار أيمن عباس، رئيس اللجنة العُليا للانتخابات، نتائج الجولة الأولى للمرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية التى تمت يومى 18 و19 أكتوبر 2015، فى أربع عشرة مُحافظة، فى الصعيد وغرب الدلتا والإسكندرية ومطروح والبحيرة.

وطبقاً للمستشار أيمن عباس، رئيس اللجنة، فإن سبعة ملايين ورُبع مليون ناخب أدلوا بأصواتهم من مجموع 28 مليوناً ممن لهم حق التصويت، أى بنسبة مُشاركة وصلت إلى 27%. هذا بينما تقول تقارير مُراقبة منظمات المجتمع المدنى المصرية، وعلى رأسها مركز ابن خلدون، وكذلك منظمات المُتابعة الأجنبية وعلى رأسها الديمقراطية الدولية (Democracy International)، التى رأس بعثتها الخبير الحقوقى المُخضرم توماس مليا Tomas Millia، إن نسبة المُشاركة الفعلية لم تتجاوز خمس عشرة فى المائة.

وسيأخذ كاتب هذا المقال (سعد الدين إبراهيم) الأرقام الرسمية للجنة العُليا للانتخابات أساساً للتحليل والتنبيه والتحذير للرئيس عبدالفتاح السيسى وأركان نظامه.

إن نسبة المُشاركة فى الجولة الأولى للمرحلة الأولى هى نسبة مُنخفضة للغاية، مُقارنة بنسب مُشاركة المصريين فى الاستفتاءات والانتخابات التى جرت فى السنوات الأربع الأخيرة، أى منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 وكانت تتراوح بين 6 و40 فى المائة. وهذا، رغم توجيه الرئيس السيسى نداءً حاراً للمصريين بأن يخرجوا للمُشاركة فى انتخاب أهم برلمان فى تاريخ مصر الحديثة، خاصة وأنه طبقاً لدستور 2014، يتمتع بسُلطات لم يتمتع بها أى برلمان آخر منذ عام 1924. فهو شريك كامل لرئيس الجمهورية، ليس فقط فى الشأن التشريعى والرقابى، ولكن أيضاً فى الشأن التنفيذى، من حيث منح الثقة أو حجبها عن مجلس الوزراء، وإقرار المُعاهدات والاتفاقيات الخارجية.

والأسئلة التى تفرض نفسها على الرئيس السيسى، هى:

■ كيف استجاب لك ثلاثون مليوناً، وخرجوا فى مُظاهرة غير مسبوقة لا مصرياً، ولا عالمياً، يوم 30 يونيو 2013، ثم لم يستجيبوا لك فى المُشاركة فى الانتخابات البرلمانية، رغم إلحاحك عليهم؟

■ وكيف اختفى الشباب تقريباً من المشهد الانتخابى، سواء كمرشحين، أو كناخبين؟! وهل لذلك علاقة بمُطاردة الدولة العميقة لهم، واعتقال المئات منهم، وإبقائهم فى السجون بلا إحالة للتحقيق أو للمُحاكمة؟

■ أليس من الطريف والغريب أن مائة ألف شاب، ذهبوا للنادى الأهلى لمُشاهدة تدريب فريقه استعداداً لمُباراته مع طلائع الجيش، فى نفس اليوم الأول للانتخابات، ولم يُكلفوا خاطرهم أن يتوجهوا لمراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات البرلمانية، والتى لم تبعد عن ملاعب النادى الأهلى إلا مائتى متر عبر النهر. وحدث نفس الشىء مع مُشجعى نادى الزمالك الذين توجّهوا لمُشاهدة تدريبه استعداداً لمُباراته مع نادى وادى دجلة، فى الوقت الذى كانت معركة التصويت قائمة على أشدها فى مراكز الاقتراع خارج أسوار النادى بمحافظة الجيزة.

إن تلك المُفارقات لا تعكس خيبة نظام الرئيس السيسى وحده، ولكن خيبة الأحزاب جميعاً أيضاً، بما فى ذلك حزب الوفد، أقدم الأحزاب المصرية على الإطلاق، وأنشط الأحزاب الجديدة، وهم حزب المصريين الأحرار، الذى يحمل لافتة ليبرالية، وحزب المحافظين وحزب الدستور، الذين يمُثلون قوى الأنظمة البائدة منذ ما قبل ثورة 1952، وحزب النور، ذو الوجهة الإسلامية، والذى يعتبر نفسه، ضمنياً، الوريث الشرعى لجماعة الإخوان المسلمين، والتيارات السلفية عموماً.

أما تفسيرنا الموضوعى لانخفاض نسبة المُشاركة فيرجع إلى الأسباب التالية:

1ـ حداثة وغرابة النظام الانتخابى المُختلط، حيث لم يتعود الناخب المصرى على التعامل مع صندوق الاقتراع ببطاقتين، إحداهما لاختيار مُرشح فردى، والثانية لاختيار قائمة واحدة تضم تحالفات حزبية عديدة، لا يعرف المواطن العادى الكثير عن مُفرداتها أو برامجها.

2ـ الاتساع الشاسع للدوائر الانتخابية، والتى تنعدم معها قُدرة المُرشح على الدعاية الفعالة لنفسه، أو التواصل المُباشر مع أبناء دائرته، أو حتى مع القيادات المحلية فى القُرى، والأحياء الحضرية فى المُدن. ولأن معظم الناخبين لم يعرفوا المُرشحين أو برامجهم، فقد آثروا البقاء فى منازلهم.

3ـ عدم أخذ عطلة اليوم الأول للاقتراع، وهو ما جعل قطاعاً كبيراً من الناخبين العاملين فى القطاعين الخاص والعام لا يكترثون بالإدلاء بأصواتهم.

4ـ الدعوة النشطة للإخوان المسلمين بمُقاطعة الانتخابات، والتلويح بأن ثمة صدامات عنيفة قد تقع فى أماكن الاقتراع أو بالقرب منها. وهؤلاء تُقدر نسبتهم بحوالى 25 فى المائة.

5ـ الدعوة النشطة لشباب محسوبين، أو يدعون أنهم الثوريون الحقيقيون، لمُقاطعة الانتخابات بينما لهم زُملاء ورفاق خلف القضبان فى السجون. وتُقدر نسبة أصحاب هذه الشريحة العُمرية بحوالى ثلاثين فى المائة، فى المجموعة العُمرية ما بين ثمانية عشر وثلاثين عاماً.

وتُفسر تلك العوامل ما لاحظه كثير من المُراقبين، من أن أغلبية من شوهدوا فى مراكز الاقتراع فى المحافظات الأربع عشرة التى جرت فيها الانتخابات، كانوا من النساء ومن كبار العُمر.

ولذلك يمكن للرئيس السيسى ومُساعديه أن يتوجهوا إلى الشباب المُحبط لاستمالته والتصالح معه، لأنهم نصف الحاضر وكل المستقبل.

وأخيراً على نفس نظام السيسى أن يُفكر جدياً فى مُصالحة وطنية واسعة، مع كل الأطياف السياسية، سواء من فلول الأنظمة السابقة أو من الشارع الإسلامى. فهؤلاء وأولئك هم مصريون، ولا وطن لهم سوى مصر، ولا يمكن إبادتهم أو تجاهلهم هم وذويهم إلى الأبد. وليكن للسيسى فى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفى الزعيم الأفريقى العظيم نيلسون مانديلا، أسوة حسنة. فقد صفح الرسول الكريم عن كل من أساءوا إليه وإلى الإسلام فى مكة، وقال لهم «اذهبوا فأنتم الطُلقاء». وهو تقريباً ما فعله مانديلا، بعد الرسول بأربعة عشر قرناً، حينما أطلق مُبادرته النبيلة مع من أساءوا إليه وسجنوه سبعة وعشرين عاماً، بشعار الإنصاف والمُصالحة.

أقول قولى هذا، وأرجو أن تكون الجولات الانتخابية القادمة أكثر كثافة ونجاحاً.

وعلى الله قصد السبيل.

semibrahim@gmail.com