خلال جولة «المصرى اليوم» فى ميناء الإسكندرية رصدت العديد من البضائع المكدسة على أرصفة الميناء والساحات المخصصة لتشوين البضائع، وأغلبها من السلع الغذائية التى تم وضعها فى ثلاجات متصلة بالكهرباء لضمان الحفاظ على صلاحيتها.
مستخلص جمركى بإحدى الشركات العاملة فى ميناء الإسكندرية قال لـ«المصرى اليوم» إن جزءا كبيرا من تلك البضائع يتم تصنيفه تحت بند «المهمل» وهو عبارة عن البضائع الموجودة فى الميناء منذ 60 يوما، وبعدها يدفع المستورد نسبة 2% زيادة فى جماركها على قيمة البضاعة، لافتاً إلى تسمية تلك المنتجات بـ«المهملة» بسبب تركها فى الميناء بعد فترة السماح المحددة لها.
ويضيف: «بعد مرور فترة السماح بعض المستوردين لا يتمكنون من دفع ثمنها أو رسوم الجمرك المستحقة عليها، ولذلك يلجأ الجمرك إلى بيعها لحسابه فى مزاد يتم الإعلان عن شروطه من قبل الميناء، ولذلك الجمرك لا يخسر فى كل الأحوال، وكذلك شركات التخليص الجمركى، لأن المستورد هو المتحمل فى النهاية».
وفى المقابل شكا مستوردو السلع الغذائية والمواد التموينية والفاكهة من تكدس بضائع لهم فى عدد من الموانئ المصرية، خاصة فى ميناء الإسكندرية ومنطقة مرغم الصناعية غرب «الثغر»، وقالو إن نقص الدولار من السوق ووضع البنك المركزى سياسات نقدية تحدد حجم الإيداع والسحب يوميا أدى لتوقف حركة الاستيراد لبعض السلع خاصة المرتبطة بتاريخ صلاحية أقل من 6 أشهر، لعدم تمكن المستوردين من توفير الدولار بالإضافة إلى ارتفاع سعر الصرف للعملة الأمريكية فى السوق السوداء وتخطيه حاجز الـ 8 جنيهات وربع.
وقال رشاد قرنى، نائب رئيس الشعبة العامة للثروة الداجنة، بالغرفة التجارية للقاهرة، لـ«المصرى اليوم» إن المستهلك هو من يتحمل الزيادة التى ينفقها المستورد على تكلفة دخول الشحنات و«الأرضيات» التى يتم دفعها فى الموانئ.
وأشار إلى أن البنوك ترفض منح المستوردين المبالغ المالية اللازمة، رغم إعلان أن الطعام هو من أولويات البنك المركزى فى منح المستوردين العملة الصعبة، ويقول: «هشام رامز، مدير البنك المركزى هو اللى ودا البلد فى داهية».
وأضاف: «الناس المتوسطة من التجار والمستوردين هم أكثر الفئات تأثراً، لأن أقصى عمليات الاستيراد لهم لا تتجاوز نصف مليون دولار، لكن المستورد الكبير ورجال الأعمال لن يتأثروا لأن هامش الزيادة فى العملة لن يكون مؤثراً بالنسبة لمستورد يتاجر بملايين الدولارات».
وطالب «قرنى» بضرورة إعادة النظر فى منظومة الجمارك خاصة على أدوات الإنتاج، التى طالب بأن يتم تقليل الجمارك عليها لتقليل أسعار المنتجات النهائية، قائلاً: «لابد من تقليل الجمارك على مستلزمات الإنتاج حتى تكون فى متناول الصانع، لكن ما يحدث أن الضرائب والجمارك ترفع أسعارها بشكل مبالغ فيه».
وتابع: «صناعة الدواجن مبنى عليها عدد كبير من الصناعات منها المقاولات وبناء المزارع والكهرباء وأعمال التعبئة والتغليف والتصنيع، وبالتالى حجم التأثر فى سوق الدواجن كبير للغاية».
وقال إن أى حل فى أزمة العملة الصعبة بدون تغيير المنظومة المالية ككل سيكون حلاً خاطئاً و«غير مجدٍ»، «الحل لا يمكن أن يكون بعيداً عن البنك المركزى نفسه»، حسبما يقول.
وأضاف: «ما يحدث فى أزمة العملة الصعبة أن الحكومة يتم سرقتها من قبل المتلاعبين بالعملة، والشعب هو من يدفع هذه الفاتورة».
وقال عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية بالقاهرة إن مصر تستورد 80% من مستلزمات الإنتاج من الخارج بالعملة الصعبة، التى قال إنها غير متوفرة ما يؤدى لوجود عجز نسبى فى الإنتاج وارتفاع الأسعار فى الأسواق.
وأضاف: «الرئيس قال إنه لابد أن يكون الاستيراد للسلع الضرورية فقط والأساسيات التى تلبى احتياجات المواطن، وفى نفس الوقت مستلزمات إنتاج الدواجن هى من الأساسيات لكن وجود أزمة فى الحصول على الدولار يحول دون توفير تلك الأساسيات».
وقال: «يجب على الدولة توفير مستلزمات الإنتاج وهو ما لن يتحقق إلا بأن نقوم بزراعة المنتجات الأساسية بنفسنا خاصة الذرة الصفراء، حتى تقل تكلفة الإنتاج ما سيؤثر بالإيجاب على السعر النهائى للمنتج، لكن المشكلة الحالية أننا نعانى من نقص، وللأمانة فإن الجهات المعنية تقوم بخطوات إيجابية لتقليل أزمة الدولار وهو ما أدى لتراجع أسعار الصويا من 6500 جنيه للطن إلى 4500 جنيه، وكذلك الذرة، وهى مؤشرات تقول إن هناك انفراجة فى الأزمة لكن هذا لا يمكن أن يحل محل زراعة المستلزمات الأساسية».
وأوضح «عبدالعزيز» أن هناك تجارا ومستوردين خرجوا من السوق بسبب الخسائر التى تعرضوا لها، بالإضافة لعدم تمكنهم من الوفاء بالتزاماتهم والتعاقدات التى أبرموها.
وأضاف: «أزمة النقص والعجز فى الثروة الداجنة فى مصر لم تظهر فى الوقت الحالى بسبب حالة الركود التى أصابت الأسواق بنسبة تتراوح ما بين 40 و50% بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستهلك».
وفى المقابل، قال صلاح عبدالعزيز، رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية: «الوضع غير مستقر بسبب تفاوت أسعار العملات الأجنبية خاصة الدولار الذى يصعد ويهبط منذ فترة، والتاجر الذى يملك بضائع فى الميناء لا يتمكن من صرفها وتنزيلها للسوق».
وأضاف: «إحدى أبرز المشكلات التى تعانى منها الأسواق التى تتأثر بتغير أسعار صرف العملة هى عدم توافر المعلومات والبيانات والإحصائيات الدقيقة ولذلك لا يمكن أن تجد دراسات تفصيلية قائمة على معلومات حقيقية تخص المواد الغذائية».
وتابع: «مصر تستورد منتجات غذائية عديدة من الخارج، مثل القمح الذى يدخل فى العديد من الصناعات مثل الدقيق والنشا والحلويات، ومع ذلك لا يوجد أى معلومات أو إحصائيات تقول ما هى احتياجات السوق من هذه السلعة، وكذلك الخضروات فمثلا الطماطم يرتفع سعرها من وقت لآخر فقط بناء على شائعات فى السوق، وفى خلال الأسبوعين الأخيرين تضاعف سعرها وتراجع مرة أخرى دون مبرر بسبب غياب المعلومات».
وقال إن الحكومة لا تملك جهات معتمدة تابعة لها تمدها بالبيانات والمعلومات والأرقام حول احتياجات السوق من السلع الغذائية، ولذلك المستورد يتصرف بناء على الخبرة والتكهنات، مضيفاً: «المستورد لا يعرف حجم احتياج السوق من السلعة المستوردة بسبب غياب البيانات، ولابد من جهة رسمية تمدنا بإحصائيات السوق، لنعرف ما هى السلع التى نحتاجها وما هى السلع المتوافرة بكثافة فى السوق ولا نحتاج استيرادها، وهى مشكلة نعانى منها من قبل ثورة يناير».
وأضاف: «نقص البيانات أمام صانع القرار سبب رئيسى فى تأرجح أسعار السلع فى الأسواق، فمثلا موسم الأرز يبدأ فى شهر سبتمبر وأكتوبر من كل عام، ولا نعرف ما هى الكمية المستهلكة وما هى الكمية التى سيتم تخزينها لبقية الموسم، وما هى الكمية المطلوب استيرادها».
واعتبر أن أزمة تكدس البضائع فى الموانئ هى أزمة «مؤقتة» وأنه لا يمكن بناء سياسات اقتصادية عليها، نافياً أن تكون قرارات البنك المركزى بخفض قيمة الجنيه المصرى سبباً فى الأزمة وارتفاع الأسعار.
الدكتور رفعت رشاد، رئيس جمعية الملاحة فى الإسكندرية قال إن هناك أزمة بالفعل لدى عدد كبير من المستوردين فى توفير العملة الصعبة للإفراج عن الشحنات المحتجزة فى الميناء، مشيراً إلى أن البنك المركزى لم يضع حدودا قصوى فى الحصول على الدولار لجهتين هما النقل البحرى والسياحة.
وأشار إلى أن ترك تلك الجهتين بدون تحديد سقف أعلى للحصول على الدولار سببه أن القطاعين يحملان الواردات الأساسية لمصر من السلع الأساسية، بالإضافة إلى كونهم مصدرا للدخل القومى، بالإضافة إلى أن النقل البحرى هو من يحمل البضائع المستوردة التى تحتاجها البلاد.