تواجه مصر العديد من التحديات بسبب غياب العلم والتخطيط عن منظومة إدارة الدولة، لعل آخرها ما حدث أخيراً وليس آخراً في الإسكندرية يوم 25 أكتوبر وعجز منظومة الصرف الصحي عن تصريف مياه الأمطار التي تراكمت بالشوارع والأنفاق، وتسببت في شلل كامل لمرافق المدينة وحالات وفاة للعديد من الأشخاص؛ إما غرقاً أو صعقاً بالكهرباء، وتكشف تلك الأزمة إحدى أكبر المشاكل الموجودة في إدارة الدولة المصرية من غياب تام لتطبيق نظام إدارة المخاطر والاستجابة للطوارئ على المستوى الوطني، وهو ما يهدد في المستقبل في حال وجود كوارث أكبر أو على مستوى أكثر من محافظة، لا قدر الله، إلى عجز تام للدولة عن تقديم الخدمات التي تقدمها الدولة لدعم مواطنيها في الظروف الاعتيادية، ناهيك عن أوقات الكوارث.
ويعرف نظام إدارة المخاطر والاستجابة للطوارئ بأنه نظام يحدد قواعد تجنب أو التعامل مع الكوارث بشكل ممنهج ومخطط، وتشمل القواعد إنشاء وحدة إنذار مبكر على مستوى الدولة أو المحافظة للتنبؤ والتحذير من الكوارث والتدريب على مواجهتها قبل حدوثها، والاستجابة للطوارئ تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، عمليات الإخلاء في حالة حدوث الحرائق أو انهيارات العقارات أو عمليات الحجر الصحي لمواجهة الأوبئة وعمليات إزالة التلوث البيئي أو عجز البنية التحتية عن أداء وظيفتها (بسبب فيضان أو عجز الصرف الصحي عن تصريف مياه المطر) كما تشمل عمليات الاستجابة للطوارئ إعادة بناء المجتمع بعد الكوارث البشرية أو الطبيعية التي وقعت. بشكل عام يمكن تعريف نظام إدارة المخاطر والاستجابة للطوارئ بأنها عملية مستدامة تقوم من خلالها الهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بإنشاء منظومة وطنية بهدف تجنب أو التخفيف من الآثار المتوقعة للكوارث الناجمة عن الأخطار.
وفي مصر نستخدم مصطلح الحماية المدنية على ما كان يطلق عليه الدفاع المدني (أو قوات الإطفاء سابقاً) والتي تعمل بدون رؤية وبدون تدريب؛ سواء لأفراد الحماية المدنية أو للمجتمع الذي من المفترض أن يتم تدريبه على عمليات الطوارئ؛ لعل أشهرها هو التدريب على الإخلاء في حال اندلاع حريق بإحدى المنشآت الصناعية أو السياحية، كما أن الحماية المدنية تعمل بدون تنسيق إداري مع إدارة الإسعاف (والتي تتبع إدارياً وزارة الصحة بينما تتبع الحماية المدنية وزارة الداخلية) كما أنه لا يوجد على المستوى الوطني لجنة أو هيئة أو حتى منظومة لإدارة المخاطر والاستجابة للطوارئ وللتنسيق مع إدارات وهيئات الدولة بطول وعرض مصر، كما أن الحماية المدنية تعمل بمعدات قديمة غير مؤهلة لأداء عملها في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى أن بعض المعدات لا يتم عمل صيانة دورية أو صيانة وقائية لها، والأهم أن البنية التحتية تتم في ظل غياب لاحتمال حدوث كارثة، ولعل غياب حنفيات الحريق عن شوارع المدن الجديدة والسماح ببناء أبراج سكنية تزيد عن قدرة سيارات المطافئ على الوصول للحرائق بالأدوار العليا أو عدم وجود عدد كافٍ من سيارات شفط المياه التي تراكمت في شوارع وأنفاق الإسكندرية؛ ما يعطينا مثالاً عن غياب التخطيط العلمي عن إدارة الدولة المصرية للأسف.
وفي الوقت الذي نادت فيه مجموعة من الخبراء في العديد من المناسبات ومنهم على سبيل المثال لا الحصر دكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي الذي طالب بإنشاء بوزارة لإدارة المخاطر، أضم صوتي لصوته وصوت العديد من الخبراء والعلماء المصريين لإنشاء شبكة وطنية لإدراة المخاطر والاستجابة للطوارئ تتبع مؤسسة الرئاسة مباشرة، وتغطي كافة المحافظات المصرية وتقوم بالوظائف التالية:
- تعزيز القدرات على جميع المستويات للرصد والاستجابة للكوارث المحتملة والمخاطر البيئية ذات الاهتمام الوطني والمحلي، من خلال المؤسسات والهيئات الوطنية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
- مراقبة تنفيذ برامج الصيانة الدورية والوقائية للبنى التحتية والتأكد من قدرتها على مواجهة الكوارث المتوقعة.
- تنفيذ برامج للتدريب على خدمات الطوارئ، بما في ذلك الموارد البشرية مثل فرق الحماية المدنية والإسعاف والأطباء والأفراد.
- تطوير أساليب تحذير السكان أو المجتمع في حالات الطوارئ، إلى جانب إنشاء ملاجئ للطوارئ وخطط للإخلاء.
- إنشاء مخازن لمعدات الكوارث وللإمدادات اللازمة للمواطنين المضارين من الكوارث.
- تطوير مؤسسات المجتمع المدني، من خلال تدريب المتطوعين على أعمال الطوارئ؛ حيث إنه في حالات الكوارث قد لا تكفي فرق الحماية المدنية؛ وبالتالي فالمتطوعون المدربون والمنظمون والمسؤولون قيمتهم هامة للغاية في هذه الأوقات.
- تبادل الخبرات مع الدول والمنظمات الدولية لزيادة فاعلية قدرة الدولة على إدارة المخاطر والاستجابة للطوارئ والاستفادة من دروس وتجارب الآخرين.
- التنبؤ بالخسائر ودراسة عدد الوفيات أو الإصابات المتوقعة لنوع معين من الكوارث. وهذا يعطي فكرة لمخططي الموارد وصانعي القرار عما يلزم للتصدي للكارثة المتوقعة.
- تنفيذ عمليات الإغاثة والإنقاذ.
إن التوجه الجديد في العالم هو الوقاية من الكوارث؛ بدلاً من منهج رد الفعل المتبع في مصر من أجل تحقيق تنمية مستدامة واستخدام الموارد بطريقة مثلى بدلاً من إهدارها على إزالة آثار الكوارث، ودفع تعويضات للمصابين والمتوفين وإعادة بناء ما تم تدميره، كما أن تكرار حدوث الأزمات والكوارث على نطاق واسع مع الأضرار الشديدة التي تحدث بسبب هذه الكوارث يمكن أن يكون له تأثير سلبي على ثقة الشعب في إدارة الدولة؛ ومن هنا تأتي أهمية تطبيق إدارة فعالة للمخاطر وللاستجابة للطوارئ على المستوى الوطني والتي أصبحت ضرورة لا رفاهية للحفاظ على أمن وسلامة المصريين.