سأحاول أن أعرض الموضوع فى نقاط حتى أصل إلى الهدف مباشرة.
أولا: سبق أن نشرت مقالا بعنوان «أباطرة الاستيراد: قراءة فى حوار هشام رامز» أتعجب فيه من إهدار مواردنا الشحيحة من الدولارات فى استيراد سلع، يعترف محافظ البنك المركزى أنها كمالية، مثل التفاح الأحمر والسيارات الكبيرة. وأرسلت استغاثة للاقتصاديين الكبار كى يجيبونا على سؤالين. الأول: هل اتفاقية التجارة العالمية- التى دائما ما يلوحون بها- تحتم علينا هذا؟ والثانى: ألا يمكننا فرض ضرائب باهظة على تلك السلع الكمالية؟
ثانيا: وقد استجاب مشكورا الدكتور جلال أمين لندائى وأجاب عن هذين السؤالين بصفته واحدا من أساتذة الاقتصاد المرموقين فى مصر وصاحب المؤلفات المعروفة. وقد تفضل سيادته بمديح كتاباتى. فلا أستطيع أن أصف فرحتى واعتزازى بمديحه خصوصا أنه جاء من كاتبى المفضل.
ثالثا: فى البدء ذكر سيادته أن الاقتصاديين المصريين يمكن تصنيفهم لقسمين. القسم الأول يرى أن تحرير التجارة الدولية مفيد، ليس فقط للدول المتقدمة اقتصاديا وإنما للدول الأقل تقدما أيضا، لأنها لن تتقدم إلا بجذب رؤوس الأموال الأجنبية، وذلك لن يحدث إلا فى ظل تحرير التجارة وإلغاء القيود. أما القسم الثانى من الاقتصاديين (ومنهم د. جلال أمين شخصيا) فيرى أن هذه الاتفاقيات تحقق مصالح الدول المتقدمة اقتصاديا فقط، أما الدول الأقل تقدما فقد تحتاج لفرض قيود على الاستيراد لحماية صناعاتها الناشئة. وأوضح أن الدول المتقدمة فعلت ذلك من قبل والآن تحرمه على الدول الضعيفة! فمثلها كمثل الذى يستخدم سلما للصعود إلى السطح، ثم يركل السلم ليمنع غيره من الوصول إليه.
رابعا: أما إجابته عن السؤال الثانى (هل نحن مجبرون على ذلك؟) فهى أن حكوماتنا أثبتت أنها أضعف من استخدام بعض النصوص التى تضمنتها هذه الاتفاقيات فهناك مادتان فى هذه اتفاقية التجارة الدولية تراعى مصالح الدول الأقل تقدما، وتسمح بفرض القيود على الواردات إذا اختل ميزان المدفوعات (المادة ١٢) أو استلزم ذلك حماية بعض الصناعات المحلية (المادة ١٨). صحيح أن المادتين المذكورتين اشترطت حدوث تفاهم مع المنظمة، وأن يكون موقوتا لفترة محددة. ولكن الشاهد أن الدول التى امتلكت إرادة سياسية مثل الهند وتونس استطاعت الحصول على شروط تفاوضية أفضل.
خامسا: «المشكلة لا تكمن إذن فى أن مصر، إزاء مشكلتها الاقتصادية، تواجه قدرا لا مفر منه، ولكن المشكلة أننا لا نبدى الإرادة القوية الكاملة لمواجهتها». انتهى الاقتباس من د. جلال أمين.
سادسا: إذا كان حل المشكلة الاقتصادية رهينا للإرادة السياسية. فمن المنوط بهذه الإرادة بالضبط؟ إنه بلا شك الرئيس السيسى.
سابعا: لماذا لم يفرض السيسى إرادته ويحد من استيراد سلع كمالية ويستنقذ مواردنا الشحيحة من الدولار؟ توجد عدة إجابات كلها قائمة على التخمين: منها أنه ينوى فعل ذلك. وستتضح سياساته الاقتصادية التى أشار الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل منذ أيام أنها لم تتضح بعد.
يوجد احتمال آخر: أنه من أنصار الفريق الأول الذى يعتقد أن علاج مشاكل الاقتصاد هو فى المزيد من تحريرها. وأنها كفيلة بتصحيح نفسها، وهذا صحيح لا ريب فيه، بشرط ألا يكون هناك فساد! وأن تكون هناك شفافية وحماية مستهلك ومنع احتكار.
الاحتمال الثالث المخيف أن السيسى لا يريد مواجهة أباطرة استيراد السلع الكمالية. وهو احتمال أرجو ألا يكون صحيحا.