1- اعتراف
أشعر أحيانا بالغضب من نفسي لمغالاتي في النقد، حتى أشك أنني أساهم (دون أن أقصد) في تصدير طاقة سلبية للناس، فأنا أركز على الاعوجاج أكثر مما أنشر الإيجابيات، وأناقش نفسي كثيرا في هذا الشعور، خاصة وأنني معجب بمقولة غير ذائعة تصف النقاد بأنهم «مجموعة من المختصين الحاقدين الذين يتلذذون بتحويل حياة المبدعين إلى جحيم».
2- ما بعد الاعتراف
في كل مرة ينتهي هذا الاعتراف بسؤال حاسم: ماهي مصلحتي الخاصة من أي نقد أو هجوم؟، وفي كل مرة لا أجد مصلحة خاصة، ولا عداءً شخصيا مع أي طرف أنقده، بل أنني في معظم الأحوال لا أعرف من أنتقدهم معرفة شخصية، ولم أقابل الكثيرين منهم ولا مرة واحدة، وهذا يعني أن هناك هدف عام بعيد عن المصالح الفردية، لذلك سألت نفسي أيضا عن الهدف: هل هو نوع من الانتصار لرؤية أيديولوجية ضيقة؟، أو مجرد عناد لإثبات الذات؟، أو تعويض عقدة نقص؟، أو تحقيق شهرة على طريقة «خالف تعرف»؟.
ربما يكون شيئا من هذا قد حدث في البدايات، أو يحدث الآن دون قصد في حمية المعارك، وربما يكون كله صحيحا في نظر البعض، لكن بالنسبة لي، فقد علمت نفسي التعفف والتنزه من دافع الغرض الشخصي، واعتنقت فكرة «تحسين العالم»، وهي فكرة تتفق مع الأديان والأخلاق، كما تتفق مع مفاهيم التنمية البشرية، والمواثيق المتحضرة، وبذلك لم أعد أرى المنكر وأسكت، بل أسعى إلى تغييره بقدر استطاعتي، ولهذا أوضح أن أي نقد لموضوع أو لشخص لا ينطلق أبدا من نظرة فردية خاصة، ولا يتجاوز حدود النقد إلى الكراهية أو العداء، فأعدائي ليسوا أشخاصا.. أعدائي هم الظلم والقهر والفساد والتضليل.
3- توضيح
بدأت سلسلة مقالات «حواديت العباسيين» في إطار هذا المفهوم الموضوعي، وسأظل حريصا على عدم انزلاقي من الموضوعي إلى الشخصي، وأي نقد لأفراد هو نقد لممارساتهم وليس لذواتهم، ويجب ألا ينتقص النقد الموضوعي من كرامة ذلك الشخص، أو كرامة عائلته، أو حتى كرامة أنصاره، لأن التحول من النقد إلى «الشتيمة» يعد في رأيي عجزا، وجريمة، وتسويقا للسوء والفاحشة، ويضر الصالح العام أكثر مما يساهم في تحسين الواقع، وهذا لايمنع أنني أحيانا أحتد وأغضب، وقد استخدم لغة خشنة في بعض الأحيان، وهذا أمر طبيعي لأي إنسان لديه إحساس ويدافع عن قضايا الحياة بحماس وإخلاص، فليس من المنطقي أن أرى كل هذا الهطل والإعوجاج والفساد والإهمال، وأتصرف ببرود واستخدم لغة ثلجية محايدة إلى حد الموت، فالغيور أفضل من الديوث، والاندفاع في الحق يغفر لصاحبه.
4- وبناء عليه
سأواصل الكتابة وفق هذا المنهج، وأتمنى أن يؤدي إلى درجة من الوعي العام الذي نحتاجه للإصلاح، وتضييق مساحات الفساد، أتمنى أن نفسح المجال لتأسيس ضمير وطني عام، أتمنى أن يراجع المخطئ نفسه، أتمنى أن نعود إلى حسن الحديث ورفعة الأخلاق والتودد ونتلذذ باستخدام الكلمة الطيبة بدلا من التمادي في السب والهجاء الذي ينشر البغضاء باستهتار عجيب بين أفراد المجتمع.
أتمنى أن أرى ثمارا طيبة للنقد، وأتمنى أن يصل إلى الآخرين خاليا من شبهة التطاول و«التنطيط» على خلق الله، وأتعهد بأن أظل قويا في الحق قدر استطاعتي، مخلصا لوجه الله والوطن، حريصا على الحوار والتوافق، لا يردعني تهديد، ولا ينال مني بطش، شاكرا نصائح كل من اتصل بي محذرا أو منذرا، أو مقترحا اللجوء إلى الحيلة والتهدئة.
* كان لابد من الاعتراف والتوضيح، حتى تصل رسالتي بلا تشوش، وحتى لا يسئ البعض استخدامها في غير هدفها.
معا لبناء عقل مصري يشق الضباب
معا لاستعادة ضمير مجتمعي من قمقم الغياب
لا أحد أهم من الوطن.. لا أحد فوق النقد
.............................................................................................................
وغدا نعود إلى مشرط الجراح
tamahi@hotmail.com