عندما جز شمر بن ذى الجوشن رأس الحسين فى كربلاء وهو يتخيل أنه ينجز عملاً إيمانياً يتقرب به إلى الله، لم يكن يعلم أنه ستمر السنون ويتم جز رأس الحسين للمرة الثانية ومنع المحبين من زيارة الضريح الذى يرقد فيه أو الذى من المفروض أن يرقد فيه، وسواء كان الرأس رمزاً أم حقيقة فإن قرار وزارة الأوقاف بإغلاق الحسين هو قرار متخبط مرتبك يدل على أن شمر بن ذى الجوشن لم يمت بعد، وأنه مازال حياً فى تلافيف أدمغتنا يسعى بيننا ذابحاً خلايا التفكير والعقل والنقد والتجديد، تاركاً نافورة الدم تفور لتطمس ملامح وتفاصيل المكان، منتشياً ومتوهماً بأن رحلته إلى الجنة ومضاجعته للحوريات قد حان وقتها وصارت على بعد أمتار قليلة من سكينه التى يقطر منها دم الحسين، لن أناقش الأهمية السياحية للمكان ولكننى سأتحدث عن الأهمية الدرامية للرمز.
فمن المعروف لمن يدرس تاريخ الدراما والمسرح أن الإغريق هم أصحاب حقوق الامتياز والطبعة الأولى الحصرية للبطل الدرامى الملحمى على يد اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس، أبهرنا الإغريق بأبطالهم الدراميين، ومن منا لا يعرف أوديب ورحلته الدرامية المفجعة، انتظر المسلمون كثيراً حتى ظهر أهم بطل درامى فى تاريخهم على الإطلاق، إنه الحسين، إنه ليس اختراعاً مسرحياً على خشبة مسرح، ولكنه بطل أسطورى من لحم ودم على الأرض، ملحمته ليست من خيال مؤلف إغريقى ولكنها صناعة إسلامية عربية خالصة معجونة بأحلام وتطلعات ومؤامرات وخيانات وتحالفات، الحسين هو البطل الدرامى الأبرز والأهم فى تاريخ المسلمين عن جدارة واستحقاق، هو مساق إلى مصيره حتمياً وكأنه مشدود بمغناطيس كونى جبار مثلما كان أوديب مساقاً إلى مصيره.
لكن الفرق أن الحسين كان يهرول إلى فقدان حياته لا فقدان بصره، نصحه الجميع بألا يحارب لكنه أصر، انفضوا من حوله وخانوه وتركوا رسوله وابن عمه وحيداً فى الكوفة، لكنه عزم على القتال، كان واثقاً من أن المعركة انتحار، لم تكن السلطة غايته ولكنه المبدأ، هذه الدراما الكربلائية المرسومة بلون الدم لابد من استحضارها فى الوجدان والأذهان والعقول بدلاً من قمعها وإغلاق ضريحها وحصار متفرجيها، فهى صورة فنية درامية ملحمية لن تتكرر فى التاريخ، كنت أتصور وأظن أن يسمح الأزهر وتسمح الأوقاف بعرض مسرحية الحسين للشرقاوى فى هذا اليوم فى عملية صلح مع الزمن والتاريخ والحداثة، ولكن بعض الظن إثم وافتراض تغير الفكر وتجديد الخطاب هو من قبيل أضغاث الأحلام.