من القمة إلى القاعدة.. شكراً

عبد الناصر سلامة الأحد 25-10-2015 21:13

من الطبيعى أن تتحدث الدراسات عن نسبة تزيد على 30%‏ من المواطنين فى حاجة إلى علاج نفسى، ومن الطبيعى أن تتزايد عمليات الانتحار بين أفراد الشعب، وفقاً لتقرير أصدرته التنسيقية المصرية للحقوق والحريات فى ذكرى اليوم العالمى للانتحار، ففى الفترة من يناير 2015 حتى 31 أغسطس 2015 حسبما تم رصده 170 حالة انتحار، ومن الطبيعى أن تتحول إلى ظاهرة تلك الحالة التى يهذى بها المواطن فى الشارع مع نفسه، ومن الطبيعى ارتفاع نسب تعاطى المخدرات بمختلف أنواعها، مما ساهم فى استشراء حالة الضياع التى يعيشها الشباب بصفة خاصة، ومن الطبيعى حالة فقدان الثقة فى أى شىء وكل شىء، مما جعل من الهجرة أملا يراود الغالبية العظمى، ومن الانطواء والعزلة أمرا شائعا فى أوساط المثقفين بشكل عام.

بنظرة سريعة للأوضاع من حولنا، سوف نجد أن كل الطرق تؤدى إلى هذه أو تلك، الضياع يهدد الجميع، الأزمات النفسية فى انتظار الجميع، بمتابعة وسائل الإعلام سوف نصل إلى هذه الحالة سريعا، بمتابعة تصريحات المسؤولين والمتصدرين للمشهد سوف نكون جزءا منها، الهروب السريع قد يكون هو الحل، الهروب من المشاركة، كما الهروب من المتابعة، كما الهروب من المجتمع ككل، ربما كان الهروب من المشاركة فى الانتخابات البرلمانية يصب فى نفس الاتجاه، الغالبية آثرت الاحتفاظ بما تبقى من عقل، الاحتفاظ بما تبقى من توازن، مجرد الانخراط فى المشهد كان يمكن أن يرفع نسبة المرضى النفسيين إلى ضعف الرقم الحالى‏.

يبدو أن الرسالة لم تصل مدمنى التنظير والإفتاء، كان يجب استعمال الرأفة مع الناس فى التصريحات ليس فقط، بل فى الرياء والنفاق، كان يجب التروى والتأنى قليلا رحمةً بالبلاد والعباد، الدكتور عبدالسميع اللميع بتاع الميدان صرح قائلا بأن سبب عدم الإقبال على الانتخابات هو إهانة شباب الثورة، والدكتور أبوسريع السريع صرح بأن السبب هو أن الناس انفضّوا عن الرئيس بعد إهانة الفلول، والدكتور بتاع التليفزيون قال إن الناخبين مش عايزين شريك برلمانى للرئيس فى الحكم، والدكتور بتاع الدين قال إن الناخبين اكتفوا به رئيسا ومُشرعا فى نفس الوقت، والدكتور بتاع البانجو قال إن تراجع عدد الناخبين تأكيد لشعبية الرئيس [يعنى إيه مش عارف]، والدكتور بتاع الصحافة بيقول إن الرئيس يرتدى نظارة سوداء حتى لا ترى الجماهير دموعه على الغلابة، والدكتور الاستراتيجى قال إنه لابد من تعديل الدستور فورا لتوسيع صلاحيات الرئيس.

الكثير والكثير أيها السادة من التصريحات المشابهة، كانت جميعها محورها الرئيس، الرئيس يريد، والرئيس لا يريد، الرئيس يرى، والرئيس لا يرى، وكله باسم الرئيس، وكله بالنيابة عن الرئيس، ولم يتحدث أى دكتور عن أن المشكلة تكمن فى أن الناس تعبانة، أن الكيل طفح، أن الفساد أصبح عينى عينك، بين عشية وضحاها جعلوا من الرئيس فرعوناً، هذه هى الحقيقة، لن نجد مصنعا لإنتاج فراعنة أكبر من ذلك الذى نعيش فيه الآن، هو ليس مصنعا واحدا، هى مصانع تفريخ، إلا أنها جميعا تصب فى خدمة الإله الأعظم، من الطبيعى إذن أن يمرض الناس نفسياً، من الطبيعى أن ترى ذلك واضحا على وجوههم فى الشارع، وعلى إنتاجيتهم فى العمل، بالتأكيد نسبة الـ30%‏ ضئيلة، بالمقارنة بما يجرى على الساحة، من المنتظر أن ترتفع النسبة كثيرا خلال الفترة القليلة المقبلة، إن لم تكن قد ارتفعت بالفعل فى أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات.

القضية الأساسية هى وأين الرئيس من ذلك الذى يجرى، أين هو من ذلك التفويض المفتوح والممنوح على مدار الساعة للحديث باسمه، وإمراض الناس بهذا الشكل؟ ليت الذين يتحدثون عن، ونيابة عن الرئيس، كانوا على مستوى ذلك الحديث، أو كانوا على مستوى المرحلة، أو كانوا على مستوى القضايا التى يتناولونها، هو إذن زمن الرويبضة، من القمة إلى القاع، وإذا لم تكن هناك وقفة، فسوف تصبح الحالة مستعصية.

أعتقد بعد أن تحول المجتمع إلى مستشفى نفسى كبير، أو مفتوح، لم يتبق بعد ذلك شىء يمكن التعويل عليه، أو الوثوق به، أو حتى الصبر عليه، أو من أجله، فليس على المريض حرج، هى رسالة إلى القضاء، وإلى أولى الأمر عموما، ليس على المريض حرج، بنص قرآنى، وأما باعتراف أطباء النفس والأمراض العقلية، لقد أمرضتمونا، وليست أى أمراض، أَصَبْتُم العقل مباشرة، بأى حق يمكن نصب المحاكم، أو انعقاد المحاكمات، بأى حق يمكن الحكم على هذا بتهمة أنه قال، أو على ذاك بتهمة أنه فعل، بالتأكيد هو الظلم بعينه.

المحاكم والمحاكمات أيها السادة يجب أن تنعقد فقط لأولئك الذين فعلوا ذلك بالشعب، أولئك الذين أمرضوه، أولئك الذين وعدوه بحياة أفضل، أولئك الذين غرَّروا به، أولئك الذين ضَلَّلوه، لا يجب بأى حال تهديد الممتنعين عن المشاركة فى الانتخابات، هذا هو أبسط حقوقهم حينما يصبحون مرضَى باعتراف الأطباء المتخصصين، وأحيانا قد يكون المريض النفسى أكثر تعقلا فى الحكم على بعض الأوضاع من حوله، ولهذا قرر الامتناع وفقط.

الأمر الأكثر أهمية هو أن التعبير عن الرأى حتى الآن يتم بطرق سلبية، وهى الامتناع، الامتناع عن المشاركة، الامتناع عن الكلام، الامتناع عن المعارضة، كلها فى النهاية تحقق أهداف النظام وغاياته، لكن ماذا لو أصبحنا إيجابيين، ماذا لو شاركنا، ماذا لو قررنا الانخراط فى المجتمع بفاعلية؟.. سوف يكون الأمر أكثر خطورة، هذه هى الحقيقة.

إذن، من الحكمة توجيه الشكر للناس على سلبيتهم، بالتأكيد ذلك أفضل لأى نظام مهترئ!

abdelnasser517@gmail.com