الموضة دولة مدنية والمود دولة سلفية

خالد منتصر السبت 24-10-2015 21:05

هل الدولة المدنية بالنسبة لنا مسايرة للموضة، أم هى فكرة سارية فى النخاع مستقرة فى تلافيف المخ؟، عندما كتبت أن مزاج الدولة ومود الشعب صار سلفياً، برغم بعض مواد الدستور وبعض القوانين المستمدة من القانون الفرنسى المتناثرة هنا وهناك، إلا أن المزاج الشعبى فى كثير من الأحيان ظل وهابياً بالتعود بداية من نهاية السبعينيات والأسباب كثيرة ذكرناها فى مقالات سابقة وظلت تلك الاقتباسات القانونية وردة فى عروة جاكتة النظام، أرسل دكتور يحيى طراف تعليقا على مقالى «الحزب السلفى يتبدد، لكن المزاج السلفى يتمدد»، يرصد دكتور يحيى مظاهر سلفية أخرى اقتحمت حياتنا نختار منها الآتى:

حدث ولا حرج عن أطفال المرحلة الابتدائية الذين فرض أهلوهم عليهم الحجاب وهم ذهاب إلى مدارسهم فى تنطع يفوق التصور والموظفين الذين يذهبون لأعمالهم وقد قصروا «بنطلوناتهم» إلى أنصاف أرجلهم، ورنات المحمول التى استبدلت بها آيات قرآنية وأذكار وأدعية وابتهالات، ولو أن شركة أجنبية كانت هى التى بادرت بهذا، لاتهمناها بازدراء الدين. ودعنى أحكى لك فى هذا السياق قصة طريفة، حيث كنا مجموعة من الأطباء جلوساً فى حجرتنا بأحد المستشفيات نتبادل أطراف الحديث، حين صدح فجأة صوت قارئ يتلو صورة الإخلاص، فتلفت يميناً ويساراً أبحث عن مصدر الصوت، فوقعت عيناى على مندوب إحدى شركات الأدوية وقد ثبت محموله أمام عينيه ينظر إليه، وكان على ما بدا مصدر الصوت، فلما انتهت السورة قال «صدق الله العظيم» ثم شرع فى الرد على من طلبه. وقال لنا إنه لا يجوز الرد قبل انتهاء الآيات، احتراماً لكلام الله! فسألته ساخراً وما حكم إذن من يطلبك «ميسد كول»، فهو حتماً سوف يقطع التلاوة قبل نهايتها، فلم يحر جواباً وابتسم ابتسامة باهتة.

ولست بحاجة لأخبرك- وأنت تعلم- كيف تحولت ردهات وقاعات المبانى الحكومية والكليات الجامعية والمكاتب إلى مساجد تقام فيها الصلاة، فيتوقف العمل وقتها لمدد قد تزيد على ثلثى الساعة، وتتعطل مصالح ذوى المصالح والحاجات، دون تصريح أو إذن من إدارة المؤسسة، ولا أبالغ لو قلت لك إن سائقاً لأحد أتوبيسات شركة شرق الدلتا فى رحلة متجهة للمنصورة منذ سنوات وكنت على متنها، وضع شريطاً لأحد مشايخ السلفيين فى جهاز الراديو الداخلى، وفرضه علينا فرضاً طوال الرحلة.

الحديث فى هذا الشأن سيطول، والمقام حتماً لن يتسع لكل أشكال المد والتمدد السلفى التى أعتمت حياتنا، لكن الرأى عندى أن المسؤولية الكبرى فى هذا التمدد تقع على الدولة التى سمحت به من قديم، فلم تواجهه خاصة، حيث تعارض مع سياستها وهيبتها. فهذا من ندى النظام البائد علينا، الذى اتخذ شعاراً «نحن لا نحول بين الناس وما يفعلون، ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا» فلم تصمد هذه المقولة أكثر من ثلاثين سنة، سقط رغماً عنها بعدها النظام. ولن يعود الانضباط ويأزر التمدد السلفى متراجعاً، حتى تقوم الدولة مدافعة عن هيبتها وطابعها وشكلها فى وجه كل أشكال الفوضى والتمدد السلفى.

Info@khaledmontaser.com