سوريا ومصر: المواجهة المشتركة للأخطار المحدقة

اخبار السبت 24-10-2015 21:03

محمد صالح الفتيح يكتب:

تُشكل موروثات التاريخ والجغرافيا والثقافة لكيانات إقليم معين روابط متينة بين هذه الكيانات، وبين شعوبها. ومن نتائج وجود هذه الموروثات والروابط أن ما يحصل في أحد كيانات الإقليم يرتد على بقية الكيانات، وكلما كانت الموروثات والروابط أعمق كانت الارتدادات أشد قوة وأكثر تفاعلاً.

وهكذا هو حال سوريا ومصر. قد نحتاج إلى بضعة مجلدات لتوثيق علاقة الكيان الشامى بالكيان المصرى منذ ولادة الحضارة الأولى، منذ أيام الفراعنة، وكيف أن سوريا، مثلاً، كانت ممر كل من أراد غزو مصر من الحيثيين والفرس والمماليك والعثمانيين. ولكن لدواعى الضيق في المساحة قد يكون من الأفضل أن نُذكر بأحداث العقود الماضية، وهى الأكثر حضوراً في الذاكرة. فارتدادات حرب فلسطين أصابت البلدين بنفس المقدار. وسلسلة الانقلابات العسكرية التي بدأت لأول مرة في العالم العربى في سوريا، في العام 1949، مهدت لثورة الضباط الأحرار في مصر في 1952. والخرق المصرى باتجاه إنشاء علاقات مع المعسكر الشرقى، عبر صفقة الأسلحة التشيكية 1955، مهد لخرق سورى مشابه. والوحدة المصرية- السورية، والمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدخلتها، ثم المواجهة المشتركة مع إسرائيل، هي مجرد أمثلة أخرى.

ولو أردنا اليوم وضع قائمة بالتهديدات الكبيرة التي تتعرض لها كل من سوريا ومصر لوجدنا، باستثناء تفاصيل تتعلق بخصوصية وضع كل بلد، تشابهاً كبيراً. فمن خطر الإرهاب التكفيرى، ممثلاً في تنظيم «داعش» وما يشابهه، مروراً بالخطر الذي تشكله «جماعة الإخوان المسلمين»، والمنظمات المرتبطة بها، وصولاً إلى طموحات التوسع والهيمنة التركية «الأردوغانية».

وفى الحقيقة، تبدو هذه الأخطار مرتبطة ببعضها البعض بشكل عميق. فالإرهاب التكفيرى إنما انتشر، في السنوات الأخيرة، مستفيداً، بشكل رئيسى، من امتطاء جماعات الإسلام السياسى لموجة الربيع العربى، ومن تقديم هذه الجماعات خطاباً معادياً للعلمانية والقومية العربية، ممزقاً للتركيبة الفسيفسائية للمجتمعات العربية، ومبشراً بحكم الإسلام- وفق تصورها الخاص لهذا الإسلام. وعندما فشلت هذه الجماعات في السيطرة على الشارع العربى تغير الخطاب ليتحدث عن العداء للإسلام والإفتاء بوجوب القيام على الحُكام، فكان الإرهاب الذي نراه اليوم.

ولعله من نافل القول التذكير بأن هذه الجماعات الإسلامية، سواء في مصر أو سوريا أو ليبيا أو تونس أو حتى اليمن، قد وجدت في حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان، الحليف والراعى المنتظر، فاستعانت به وبالدعم الإعلامى والمالى، وفى بعض الحالات بالدعم المخابراتى والتسليحى، كما استعان بها أردوغان، الذي وجد فيها أداة جديدة لنشر الهيمنة التركية على المنطقة عبر دعم وصول هذه الجماعات الإسلامية إلى الحكم في أكثر من بلد عربى.

ولم يقتصر التوجه التركى هذا على دعم «الأحزاب» الإسلامية السياسية، بل شمل أيضاً الجماعات ذات الممارسات التكفيرية الصريحة مثل «جبهة النصرة»، المرتبطة بالقاعدة والنشطة في سوريا، ومثل تنظيم «داعش» المنتشر في عدة بلدان عربية.

ولا يخفى أن تركيا تحولت إلى ممر رئيسى «للجهاديين» الراغبين في الانتقال إلى سوريا، للانضمام إلى داعش وغيره. وكانت تركيا أيضاً المعبر الذي عبر من خلاله بعض المصريين إلى سوريا حيث تدربوا على القتال، وحروب العصابات، وأساليب بناء وإدارة التنظيمات، وعادوا بعد ذلك إلى مصر- كما ظهر في اعترافات العديد من الإرهابيين الذين قُبض عليهم مؤخراً. وتركيا ليست غافلة عن حركة الدخول والخروج هذه، فهى تنفذ رقابة صارمة، والاعتقال كان جزاء من يحاول أن يعزف ألحانه الجهادية منفرداً- فلم يستطع أحد أن يعود من سوريا عبر تركيا إلى أوروبا، مثلاً، بينما عاد المئات إلى مصر وليبيا وغيرهما من البلدان العربية.

إذاً تواجه مصر وسوريا نفس الأعداء والتهديدات، وهذا، في الحقيقة، نتيجة أخرى لموروثات التاريخ والجغرافيا والثقافة. مصر وسوريا تواجهان أخطاراً أخرى، بالطبع، ولكن هذه الأخطار الثلاثة، المتشابكة، تأتى في الصدارة. والمواجهة الناجحة لهذه الأخطار تتطلب تعاون البلدين، ليس فقط لأن الأعداء المشتركين ينسقون كل خطواتهم، بل لأن تقهقر أي من البلدين، في هذه المواجهة، سيجعل المواجهة أصعب بكثير على البلد الآخر. تخيلوا أن تتضاعف المساحة التي تسيطر عليها التنظيمات التي تولت تدريب المصريين في سوريا، أو أن تتضاعف مخزونات تلك المنظمات من الأسلحة والمتفجرات!

لهذه الأسباب نستبشر، نحن في سوريا، بما يحصل بين مصر وسوريا من تعاون أمنى لاتزال تفاصيله بعيدة عن التداول الإعلامى، لأسباب مفهومة تماماً، ونستبشر أيضاً بما تقوم به مصر حالياً من محاولات لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين الحكومة السورية ومعارضيها.

وفى الحقيقة، لقد ظهرت البوادر الإيجابية منذ ترأست مصر القمة العربية واللجنة المكلفة بمعالجة الأزمة السورية، لاسيما عندما صدر البيان الختامى للجامعة العربية الذي أظهرت فقراته الخاصة بسوريا اتزاناً كبيراً وابتعاداً عن المواقف المتطرفة، وغير البناءة، التي تم اتخاذها في قمتى بغداد والدوحة.

إذا ما قدمت سوريا معلومات أمنية لمصر فهى تفعل ذلك لكى تحمى أمنها هي وأمن الإقليم، وإذا ما سعت مصر لاقتراح حل سياسى بين الحكومة والمعارضة في سوريا، أو استخدمت ما تملكه من نفوذ ودبلوماسية لتبريد بعض الرؤوس العربية الساخنة، فهى تفعل ذلك لكى تحمى أمنها هي وأمن الإقليم.

نعم، نحن نستبشر بما بدأنا نراه، ولكننا نطالب بالمزيد لأن الأخطار من حولنا أكبر من أي وقت مضى.

كاتب سورى مقيم في بريطانيا