نطح تمام.. حليب مافيش

عبد الناصر سلامة الجمعة 23-10-2015 20:06

على وتيرة، نسمع كلاما ولا نرى فعلاً، أو نسمع قعقعة ولا نرى طحناً، أعجبنى التعبير السكندرى، أو عرب الساحل الشمالى تحديداً، «نطح تمام، حليب مافيش»، بما يشير إلى أن الكلام دون عمل، ربما كان حالة عامة فى مجتمعاتنا على مختلف ثقافاتها، فلكل قوم قولتهم فى هذا الشأن، تغيير حكومات، وتغيير رؤساء بنوك، وتعيين مستشارين، وتصريحات على كل لون، وسفريات للخارج، ومِنَح شهرية من دول الرُّزّ، وشراء طائرات، وغواصات، وحاملات، وفتح باب الاستيراد، وإغلاق الاستيراد، وتخفيض الجنيه، وزيادة الضرائب، وفرض رسوم، وكلام فى كلام فى كلام، والحالة هى هى، بل تزداد سوءا، ارتفاع كبير فى أسعار السلع، يقابله ارتفاع كبير فى حالات الانتحار، يقابله استياء عام، أسفر فى النهاية عن مقاطعة الانتخابات البرلمانية، ثم يخرج بعض المُغَيَّبين يتساءلون: هى الناس مقاطعة ليه؟!

بالفعل، فى مجتمعنا النطح تمام، الوعود تمام، الحليب مافيش، الطحن مافيش، إلا أن الحقيقة التى لا خلاف عليها هى أن بلدنا فيه، وفيه الكثير، من ثروات مختلفة، أهمها الثروة البشرية، التى اعتبرها منذ البداية عائقا أمام التقدم، حتى كانت هى أهم عوامل التقدم فى بلدان عديدة من حولنا، الحقيقة المؤكدة هى أن مافيش هنا، يجب أن يكون المقصود بها، ما فيش تفكير، ما فيش خطة، ما فيش هدف، لكن ليس مقبولا أبدا أن نردد إن مافيش ثروة، أو ما فيش إمكانيات، لا أحد سوف يصدق ذلك، وليس المفروض أن نصدق هذا الزعم على الإطلاق، فى وجود مجتمعات عديدة ينطبق عليها تعبير، ما فيش، وفى مقدمتها الدولة العظمى اليابان، التى اعتمدت بالدرجة الأولى على ثروتها البشرية، فما بالنا إذا كان لدينا الكثير والكثير من الثروات.

المفترض أنه مع بداية حكم أى رئيس دولة، بل مع بداية ترشحه، يطرح على الناخبين منهجه العلمى فى الإدارة، أو فى حكم البلاد، المنهج السياسى، المنهج الاجتماعى، المنهج الاقتصادى، وهو المعروف لدينا ببرنامج المرشح، المفترض أن أى مكلف بتشكيل الحكومة يقدم الطرح نفسه، الحكومة ككل بعد تشكيلها تقدم خطتها فى هذا الشأن، لنكن منصفين، الرئيس منذ البداية كان صادقا معنا ومع نفسه، أعلن أنه ليس لديه برنامج انتخابى، وماذا عن الحكومة، ماذا عن كل وزير على حدة، ماذا عن كل مسؤول فى موقعه.

أيها السادة، نحن نؤمن بالبركة، لا شك فى ذلك، كما لا نُكفّر أبدا المترددين على المُنجمين وعلماء الفلك، فأمرهم عند ربهم، ولولا البركة والشوية الرُز بتوع الخليج لما كانت الأوضاع قد سارت على هذا النحو حتى الآن، إلا أن البركة وحدها لا تصلح لقيادة أمم، كما أن المُنجمين والفلكيين، الذين يعتمد عليهم البعض الآن، كاذبون وإن صدقوا، فى الوقت نفسه لا رُز الخليج مضمون البقاء، ولا التحالفات الخارجية مضمونة الاستمرار، وهو الأمر الذى يُحَتِّم علينا الاعتماد على أنفسنا، والعمل من خلال منهج علمى فى جميع المجالات، وإعلان ذلك على العامة والخاصة، من حق الناس أن تأمن على مستقبلها، على ودائعها، على استثماراتها، على أبنائها، من حق الناس أن يثقوا فى قدرات قيادتهم.

حتى وقت قريب كان النطح «تمام»، العقل الجمعى سار مع النطح حتى النهاية، لم يكن هناك بديل، هانبقى قد الدنيا، هانبقى قد الآخرة، لِمَ لا؟ قد يكون الأمر كذلك، بلغت الأمور مداها أن الجِن سوف يتعجب لقدراتنا، حتى هذه صدقناها، بمعنى آخر بلعناها، ظللنا ننتظر الحليب، قد يكون غدا، قد يكون الأسبوع القادم، قد يكون الشهر القادم، العام القادم، دون جدوى، لا أعتقد أنه من الإنصاف أن ننتظر حتى القرن القادم، تعيش انت، البقاء لله، إنَّا لله وإنا إليه راجعون، الدوام والبقاء لله، لن تسير الرياح أبدا كما تشتهى السفن، نلتقى إذن فى عمر مكرم، قد يكون فى الأرافة مباشرة، قد يكون فى يوم الدين.

ماذا نحن فاعلون؟! كان التعويل على وجود برلمان قوى وفاعل يمكن أن يحسم أمورا كثيرة، كان التعويل على قيام لجان البرلمان المتخصصة بتوجيه الحكومة إلى طريق الصواب، كان التعويل على برلمان يعبر تعبيرا صادقا عن الشعب، ينقل إلى الحكومة نبض الناس أولاً بأول، للأسف، حتى هذه الأمنية سقطت فى بئر النوايا الحسنة، كالدستور سواء بسواء، أتوقع قريبا الإعلان عن أن انتخابات البرلمان تمت بحسن نية، بدون تعبير حقيقى عن التطلعات، بدون جمهور، كمباريات كرة القدم سواء بسواء، بالتالى أصبحنا أمام فنكوش آخر.

على أى حال، أعتقد أن الفرصة مازالت سانحة للاعتراف بحقيقة الموقف، بوازع من ضمير، حليب ما فيش، طحن ما فيش، خطط مستقبلية ما فيش، منهج علمى ما فيش، ماذا تبقى إذن؟! نحن فى انتظار القرار، لا يحتاج الأمر أكثر من شجاعة أدبية.

abdelnasser517@gmail.com