العدل الاجتماعى.. فضيلة أم ضرورة؟

سامح مكرم عبيد الجمعة 23-10-2015 20:06

لم تكن رغبة الشعب المصرى الثائر فى 25 يناير هى إسقاط النظام كغاية فى حد ذاتها، وإنما كوسيلة لإزاحة الظلم والفساد والجشع ولإقامة نظام بديل يحقق العدل الاجتماعى. فما هو هذا العدل الاجتماعى، ماذا يعنى، كيف يتحقق؟ هل هو المساواة الكاملة بين الناس؟ أم الإذابة الكلية للفوارق بين الطبقة التى أنعم الله عليها بكل شىء والطبقات التى لا تستطيع حتى أن تحلم بأى شىء؟ أم أن له مقومات أخرى غير تلك؟ فضيلة أم ضرورة للسلم الاجتماعى؟ ففى عصر الجمهورية الثانية- وبعد أكثر من ثلاث سنوات من حراك سياسى واجتماعى- هل استطعنا أن نحدد ما نقصده بالعدل الاجتماعى؟ وفى أى مرحلة وبأى معيار يمكننا أن نزعم أننا اقتربنا من العدل المنشود؟ وما هى الأدوات اللازمة لذلك؟ فهل العدالة الاجتماعية هى العدالة الاقتصادية فقط أم أنها أيضا عدالة سياسية وعدالة ثقافية وعدالة دينية وعدالة طبقية وعدالة تعليمية وعدالة صحية وعدالة بين الجنسين وعدالة بين الريف والحضر، بين الدلتا والصعيد، بين سكان القاهرة وباقى سكان مصر؟ أو بمعنى أعم هل هى عدالة إنسانية؟

فالعدل الاجتماعى لا يعنى إلغاء المدارس الخاصة أو المدارس الأجنبية وإنما يعنى الارتقاء بالمدارس العامة بتعليمها المجانى، بحيث يتقارب- فى زمن بسيط- مستوى تلك المدارس مع نظيرتها المتميزة، يعنى أن تتكافأ فرص خريجى مدارس الحكومة مع نظرائهم من خريجى مدارس الجزويت، وبطبيعة الحال ينطبق هذا على التعليم الجامعى، فعلى الدولة- مع الاستمرار فى تشجيع إقامة الجامعات الخاصة- إتاحة نفس الفرص للارتقاء بالجامعات الأهلية والمملوكة للدولة ليرتفع مستوى التعليم فى جامعة جنوب الوادى إلى مستوى ليس ببعيد عن مثيلتها الأمريكية أو حتى من جامعة القاهرة، ويعنى كذلك أن ينخفض معدل الأمية إلى صفر فى المائة من السكان، فلا يجوز أن نتحدث عن عدل أو مساواة أو غيرهما من الفضائل وأكثر من نصف شعبنا لا يجيد القراءة والكتابة، فمحو الأمية- حقيقة لا قولاً وغناء- هو الخطوة الأولى فى تكافؤ الفرص وأهمها فرص العمل داخل الوطن وخارجه. ويتحقق كذلك عندما تصبح مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية على درجة متوازنة فى الكفاءة مع نظيرتها الخاصة، عندما تكون تلك المستشفيات داراً للشفاء وليست داراً للشقاء، عندما تكون فاعلية الدواء المتاح للفقير وللطبقات المتدنية من المجتمع بنفس فاعلية دواء القادرين، إلى أن نتمكن من تمكين كل الناس من ذات الدواء وذات العلاج.

يتحقق العدل الاجتماعى عندما لا نمنع الأغنياء من شراء سيارة فاخرة وإنما عندما نمّكن الأقل حظاً من مواصلات نظيفة ومنتظمة داخل المدن وبينها، عندما تكون الدرجة الثانية فى القطارات لا تقل فى آدميتها عن مثيلتها الأولى الممتازة، فليجلس كل فرد طبقاً لإمكانياته المادية ولكن بشرط أن يعامل الكل كبشر ويتساوى الجميع فى آدميتهم. ويتحقق حينما نؤكد حق الطبقات الأكثر حظا فى المجتمع فى أن تشرب مياها معدنية، وهى فى الحقيقة مياه نقية معبأة فى زجاجات بلاستيكية، ولكن بشرط أن تكون مياه الشرب من حنفيات المنازل- كل المنازل وعلى الأخص فى العشوائيات والقرى والنجوع- مياه شرب صالحة للاستهلاك الآدمى وليست مختلطة بمياه المجارى، عندما لا نجد غضاضة فى المنتجعات السكنية الفاخرة لأننا تمكنا من توفير مساكن مناسبة آمنة نظيفة وآدمية لكل الطبقات، عندما يشعر سكان الريف بأن الخدمات المقدمة لهم على نفس كفاءة خدمات عواصم المحافظات، عندما يشعر أهل الصعيد بأن لهم فى الوطن ما لأهل الشمال، عندما نستطيع أن نجزم- حقيقة لا قولاً- أن للمرأة نفس فرص الرجل فى العمل والعيش والاحترام وأنها- كما كانت فى ميادين التحرير متحررة معتزة بإنسانيتها متساوية مع الرجل- ستستمر شريكة فاعلة فى الوطن وليست تابعة عوراء ناقصة متدنية كما يدّعى شيوخ التطرف.

ويتحقق عندما يحظى أبطال مصر العالميون فى السباحة والكاراتيه ورفع الأثقال والمصارعة وغيرها من الألعاب المنسية بنفس الاهتمام والشهرة والجاه كلاعبى كرة القدم أصحاب القدرات المحلية، عندما يستطيع نادى اتحاد السويس منافسة النادى الأهلى فى الإمكانات والشهرة، عندما يكون الاهتمام الرياضى فى المدارس- كل المدارس- على نفس قدر الاهتمام بتعليم- أو بمعنى أدق تلقين- الدين، وحينما نرتقى بمستوى مراكز الشباب لتصبح قريبة من مثيلتها الأندية الخاصة وتخّرج لنا فتياناً وفتيات أقوياء، معتدلين، متسقين مع أنفسهم، لا تجار دين ومتطرفين.

ويصبح العدل الاجتماعى واضحاً حين نعجز عن التفرقة بين مسلم سنى أو شيعى وبين مسيحى أو يهودى أو بهائى أو غيرهم بسبب لباسه أو اسمه أو مظهره أو عباداته، حين نلغى خانة الديانة من البطاقة الشخصية، حين أتشرف بتسمية ابنتى خديجة أو يعتز صديقى المسلم بابنه جورج، حين يكف شيوخ التطرف عن الادعاء بأن الذميين الذين يسكنون هذا الوطن «المسلم» عليهم بالجزية أو الرحيل، حين يتوقف قساوسة التفرقة عن مطالبة الشعب المسيحى بالانزواء، يتحقق العدل الاجتماعى عندما نفتح قلوبنا للآخر حتى نستطيع أن نفتح أبواب معابدنا للكل، تتحقق عندما تتكافأ فرص الكافة بكل أطياف أديانهم فى العبادة والعمل والعيش والأمان.

العدل الاجتماعى ليس حسنة أو إحسانا أو تفضلا من الأكثر حظاً لغيرهم، وإنما ضرورة لتحقيق السلم الاجتماعى، ضرورة لكى ننعم جميعاً بما أنعم الله به علينا، ضرورة إن كنا نعنى ما نقول عن العيش المشترك والعيش الكريم لكل المصريين، فالعدل الاجتماعى ضرورة لإنسانيتنا، وبالتالى فهو فضيلة الضرورة.