سيارات «داعش» كشفت المستور

عبد الناصر سلامة الأربعاء 21-10-2015 21:27

أكثر من ٦٠ ألف سيارة نصف نقل تعمل بالدفع الرباعى من طراز تويوتا يمتلكها «داعش»، الملاحظة استرعت انتباه الجيش الروسى الذى خاطب شركة التصنيع باليابان، بعدما صادر العشرات منها فى سوريا، ومن خلال أرقام المحركات جاء رد الشركة أن السيارات تم تصديرها لحساب أربع دول عربية، منها ٢٢.٥ ألف سيارة لحساب شركة استيراد سعودية، و٣٢ ألف سيارة لحساب شركة استيراد قطرية، و١١.٦٥٠ سيارة لحساب شركة استيراد إماراتية، و٤٥٠٠ سيارة استوردها الجيش الأردنى باعتماد ائتمانى من بنوك سعودية.

الخبر بمثابة صاعقة، أو هكذا يجب أن يكون، كان يجب أن يجتمع مجلس الأمن، وكان يجب أن تكون هناك إدانات دولية، وكان يجب توقيع عقوبات على الشركات وعلى البنوك وعلى الدول محل الاتهام، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، راعيتى الإرهاب فى العالم، مستفيدتان من ذلك الذى يجرى، بل ربما كانتا طرفا أصيلا فى الاستيراد والتصدير، بالتالى كانت هناك سيطرة على التناول السياسى، سيطرة على التداول الإعلامى، سيطرة حتى على بيانات الإدانة.

الآن فقط نستطيع أن نشير بالبنان إلى من تسببوا فى قتل نحو مائتى ألف شخص من الأشقاء فى سوريا، من تسببوا فى هجرة وتشريد عشرة ملايين منهم، من تسببوا فى دمار وخراب هذا البلد الذى كان آمنا، من كانوا سببا فى إشاعة الفوضى والتوتر بالمنطقة ككل، من كانوا وراء غرق الأطفال فى عرض البحر، من كانوا سببا فى ترمل النساء، وفى تسولهن.

بالتأكيد سوف تكشف الأيام القادمة أيضا تلك العواصم التى استوردت السلاح، هناك دبابات، وهناك مدرعات، وهناك مدافع، وهناك ذخيرة لا حصر لها، كل هذه أموال عربية، ذهبت إلى مصانع سلاح غربية، هى نفس الدول التى تؤوى المهاجرين الآن، نفس العواصم التى تتحدث عن الفضيلة، كالعواصم العربية تماما التى تتشدق بإيواء الأشقاء السوريين، وتمد الفصائل المختلفة بالسلاح والمال.

نفس الأوضاع فى اليمن، ونفس الحال فى ليبيا، طائرات عربية محملة بالمواد الغذائية، هدية الشعب العربى إلى أخيه العربى، وأخرى محملة بالسلاح، أيضا هدية الأخ لأخيه، الدراما الأكثر سوداوية هى تلك المحملة بالغذاء والدواء، وتلك التى تقصف فى آن واحد، عواصم حقوق الإنسان وحقوق الحيوان لا تنطق، لا نسمع لها همسا، مادام القاتل والمقتول أشقاء، ماداموا عربا، مادامت مصانع السلاح تعمل بكامل طاقتها، مادامت أموال النفط التى يسددونها تعود إليهم مرة أخرى.

هكذا هو العقل العربى فى زمن الغيبوبة، وهكذا هى الأخلاق الغربية فى زمن الانحطاط، من هنا لم تعد المشاعر تهتز لأى حدث سلبى من أى نوع داخل أى قطر من الأقطار العربية، لم تعد الشعوب تنظر إلى مثيلاتها بعين العطف، أصبحت الشعوب ترى الدول من خلال قادتها، تراهم يستحقون تمرد شعوبهم، بل تراه واجبا أحيانا، هكذا كان التفكك والتفتت فى أبشع صوره، هكذا كان الاهتراء العربى فى أوج أشكاله.

أليست هناك منظمة إقليمية عربية تُدعى جامعة الدول العربية، كان يجب أن يكون لها موقف تجاه هذه الأحداث، تجاه هذا الذى كشفته القوات الروسية، أليس هناك أمين عام لهذه المنظمة كان يجب أن يتقدم باستقالته فورا حال فشله فى ذلك، ألا توجد دولة عربية واحدة، أو نظام عربى واحد يمكن أن يكون حُراً أو نزيهاً أو محترماً إلى الحد الذى يمكن أن يكون له موقف من هذا الذى يجرى بحق ملايين من الأشقاء فى أكثر من قطر عربى بأموال عربية، أليس هناك قائد عربى واحد يمكن أن يتزعم أو يتقدم الصفوف بكلمة واحدة فقط وهى «لا.. لا لذلك الذى يحدث.. لا لهذا السفه.. لا للممارسات الصبيانية.. لا للممارسات العدوانية.. لا للخيانة.. لا للعمالة».

على هؤلاء وأولئك أن يتحملوا نتيجة أفعالهم فى المستقبل القريب، القريب جداً، على هؤلاء وأولئك أن يعوا أنهم هم من قاموا بتسمين ذلك الحيوان الذى سوف يلتهم صاحبه.. إنهم هم من أشاعوا الطائفية فى المنطقة، وهم من سيكتوى بنارها عاجلا وليس آجلا.. إنهم هم من أشاعوا الرعب والفزع والقلق فى المنطقة ككل، ولن يبكى عليهم أحد ذات يوم، أو حتى يتعاطف معهم.. إنهم هم من أهدروا ثروات شعوبهم المغلوبة على أمرها، إلا أن الشعوب، كما فى كل مراحل التاريخ، لا تقبل الخضوع طوال الوقت.

أعتقد أن واقعة سيارات الدفع الرباعى سوف تظل وصمة فى جبين أُمَّة كانت يوما ما تحتضن الإرهاب، فما بالنا بما خفى من وقائع أخرى من المنتظر كشف النقاب عنها يوما بعد يوم.