أخيراً تحققت لعم التهامى أمنيته التى كان يحلم بها وصار حرامى! طبعا أنتم مندهشون وتستنكرون كلامى! وكأنما لا يفصل بينكم وبين الثراء العريض إلا مبادئكم التى تأبى السرقة! كلام فارغ. طيب يا سيدى جرّب أن تنزل إلى الشارع وتقول: «ها أنا ذا تخليت عن مبادئى وسأسرق وأصبح غنياً»، وأقطع يدى لم لو تنته الأمسية بعلقة يشارك فيها المتطهرون الراغبون مثلك فى السرقة ولكنهم عاجزون عن ذلك.
السرقة ليست مجرد مهنة يا محترم وإنما فن وإلهام! كل الناس يكتبون ولكن كم عدد الشعراء بينهم؟
..............
عم التهامى سباك ماهر فعلاً، علَّمه أبوه بالحذاء والعصا، ويستطيع إصلاح هذا السيفون التالف وهو نائم. ولكن الزبون عجوز والنفائس تملأ البيت وأجرته لن تزيد على أربعين جنيهاً. بينما لو حمل ما خف وزنه وغلا ثمنه سيخرج بآلاف عديدة. كل ما عليه أن يتظاهر بالانصراف، والوقت مساء على كل حال، والعجوز تتثاءب وزوجها أيضاً. وبمجرد أن يناما يتسلل فيحمل ما فيه النصيب. لا توجد سرقة فى العالم أسهل من ذلك.
............
المشكلة الوحيدة ماذا لو شعرت العجوز برغبة فى التبول ودخلت الحمام أثناء وجوده! والألعن ماذا سيكون الحال لو جلست على القاعدة وهو على بعد خطوات منها، ثم فتحت النور فوجدته جالساً على طرف البانيو يحدق فيها. سيجلجل صراخها فى الحمام حتى توقظ الموتى بالتأكيد. لذلك أخبرهما فى غلظة أن يتجنبا استخدام هذا الحمام أثناء الليل، وإلا فهو غير مسؤول عما سيحدث! سيتسرب الماء ويضطران لتجديد الحمام.
مضى يعمل فى تباطؤ. كان الزوج قد ترك زوجته معه ومضى لينام. وتعالى غطيطه من الغرفة المجاورة. وقال للعجوز التى أسبلت عينيها أنه سينصرف وسيغلق الباب وراءه. وبالفعل أطفأ النور وتحرك فى الردهة حتى تأكد أنه سمع صوت انهيارها على السرير فعاد أدراجه إلى الحمام.
مضت ساعة. كان البيت هادئاً مثل ضميره. ينبغى أن ينتظر حتى يتوغل الليل حتى لا يراه البواب. وأحس عم التهامى فجأة بالجوع الشديد. وتذكر أنه لم يأكل منذ الصباح. وأحس بالضيق الشديد وهو يفكر أن عليه الانتظار لساعات أخرى. لكنه تذكر فجأة، والابتهاج يملؤ قلبه، أنه حمل معه ساندويتشات جبن وفول التى لم يكملها فلفتها له زوجته رغم اعتراضه. هذا جزاء العمل الصالح والقلب الطيب. عم التهامى لا يذكر أنه ضرب ابنه قط كى يعلمه السباكة مثلما كان يفعل أبوه.
ولكن بفعل الأكل وإنهاك اليوم تثاقل جفناه وغلبه النوم وهو يجلس على قاعدة الحمام. ثم استيقظ فجأة فوجد العتمة حوله ولم يدرك لوهلة أين هو! ثم عادت له الذكرى بومضة خاطفة. أحسن بجسده مخدراً وبارداً ومتعباً ويتوسل إليه أن ينام ساعة أخرى. لكن لا داعى لامتحان حظه أكثر من هذا. يجب أن يقوم. لم يتبق بينه وبين الجريمة الكاملة إلا أن يتسلل بخطى خفيفة، فهؤلاء العجائز وإن كانوا ينامون جالسين، إلا أنهم يستيقظون لدى أقل صوت.
كان عم التهامى على وشك تحقيق الجريمة الكاملة التى يحلم بارتكابها أعتى المجرمين. ولم يدرك إلا فى اللحظة الأخيرة أنه ارتكب خطأً قاتلاً، خطأً لا لزوم له بالمرة، أدى إلى استيقاظ العجوزين وفضح أمره. ذلك أنه للأسف الشديد، وبحركة غريزية تماماً، ضغط على زرار السيفون وهو يقوم من الحمام!