ولماذا ينزعج النظام والإعلام من ضعف المشاركة؟

نادين عبدالله الثلاثاء 20-10-2015 21:10

تشير المؤشرات الأولية، بالإضافة إلى مشاهدات أعضاء العديد من الحملات الانتخابية للمرشحين، إلى ضعف مشاركة المصريين فى الانتخابات البرلمانية. وعلى ما يبدو فإن الأمر يثير استياء المسؤولين، خاصة أن الرئيس قد دعا الشعب إلى المشاركة، بل والتأنى فى اختيار نواب البرلمان. ويظهر أن الأبواق الإعلامية هى أيضًا غاضبة، فقد وجه الإعلام وضيوفه على الفضائيات مزيدا من النقد والتقريع لمن لم يشارك بصوته على اعتبار أن الأمر مفاجأة غريبة غير متوقعة. والحقيقة هى أننا لا نفهم بالضبط سبب هذا الكم من الدهشة والتعجب!

فمن ناحية، انتشرت، كالنار فى الهشيم، رواية ما فى وسائل الإعلام المختلفة، مفادها أن البرلمان القادم هو برلمان «خطير» ذات سلطات «خارقة» من شأنها تقليص صلاحيات الرئيس، بما يعنى عرقلة الأمور، وحرمان البلد من الاستقرار. وهى رواية سطحية لا محل لها من الإعراب، لأن الدستور الذى وسع من سلطات البرلمان لم يغل يد الرئيس، بل على العكس أطلقها بقوة. كما تبارى العديد من البرامج الإخبارية أو برامج التوك شو فى تشويه صورة البرلمان عبر وسائل عدة، إحداها هى نقل نماذج مشينة وغير مشجعة من المرشحين، وهى نماذج أفرزها، من الأصل، قانون انتخابى بالغ السوء، وبيئة غير صحية حل فيها الابتذال محل السياسة، والسباب مكان الحوار.

ومن ناحية أخرى، فعل النظام كل شىء لخنق المجال السياسى إلى الحد الذى صار فيه تسفيه الجدل العام جزءًا لا يتجزأ من نمط الإدارة الجديد. وبدلا من خلق بيئة مناسبة تشجع الكفاءات من التأثير فى المشهد السياسى والمؤسسى والإعلامى، استسهل مصادرة المجال العام. ورغم أن خطاب تمكين الشباب سيطر على أروقة النظام، إلا أن حديث التمكين الحاضر فى الخطاب السياسى والإعلامى ظل غائبًا على مستوى آليات التفعيل الحقيقى. يمكن أن تتكلم دهرًا عن تمكين الشباب وتنسف ذلك بقيود بيروقراطية أو بترسانة من القوانين المقيدة التى لا تعطى أى مساحة لشباب فى مقتبل العمر، سواء من الدخول فى المعترك الانتخابى أو حتى الاهتمام بالعمل المجتمعى أو التنموى. فللأسف، أغلب القرارات كما القوانين الخاصة بتنظيم المجال العام والسياسى والانتخابى عكست كلها فلسفة واحدة قائمة على الخوف من الجديد حتى لو كان شابًا يحلم بخدمة وطنه أو كهلا يأمل بناء بلده. وهل من دليل أكبر على الشكل الذى صمم به قانون مجلس النواب، والذى حرم الكثيرين من الأكفاء من أن يمثلوا فيه فقط لأنهم لا يملكون الدعم المالى، أو العائلى أو الدولاتى؟

كلها أمور دفعت قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى، التى كانت حاضرة وفاعلة فى السنوات القليلة الماضية، إلى الابتعاد عن مشهد سياسى وانتخابى شعرت بتهميشها فيه. لذا ليس من داع لهذا الكم من الاندهاش، فما من نتائج تناقض المقدمات، وما نشهده من ضعف الإقبال أمر توقعه أغلب من قرر الترشح فى هذه الانتخابات. وعلى الرغم من قناعتنا الثابتة بضرورة دعم كل المرشحين المحترمين الذين يحلمون ببناء هذا الوطن فى سياق سياسى هو الأصعب منذ عدة سنوات، فإننا لا ننكر أن النظام والإعلام تسببا فى تشويه جنين آمل يومًا أن يرى نورًا.