بغض النظر عن نسبة التصويت فى المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب وعن الناجحين أو المخفقين فيها، فإن إحدى الدلالات الرئيسية فى هذه الانتخابات والتى ستتمخض على الأرجح عن نتائج إيجابية مهمة على صعيد النظام السياسى فى البلاد، هى مشاركة الأحزاب السياسية فيها وبخاصة فى التنافس على المقاعد الفردية.
فعلى الرغم من الانطباع الشائع بأن الأغلبية الساحقة من المرشحين لهذه المقاعد هم من المستقلين غير المنتمين لأحزاب سياسية، فإن المعلومات الرسمية الصادرة عن اللجنة العليا للانتخابات تعطى حقيقة مخالفة لهذا الانطباع. فمن بين 2548 مرشحاً على المقاعد الفردية فى المرحلة الأولى التى شملت أربع عشرة محافظة، هناك نحو 877 منهم رشحوا أنفسهم عن أحزاب سياسية بنسبة تقارب 35% من إجمالى المرشحين للمقاعد الفردية. ويعد هذا الرقم وهذه النسبة للمرشحين عن الأحزاب للمقاعد الفردية هما الأكبر على الإطلاق فى تاريخ الانتخابات البرلمانية منذ عودة الأحزاب السياسية عام 1976. وقد بلغ عدد الأحزاب المشاركة فى ترشيح أعضائها للمقاعد الفردية 42 حزباً من بين حوالى 112 حزباً قائماً بصورة رسمية فى البلاد، أى أن حوالى 38% من الأحزاب المصرية قد شاركت بمرشحين على المقاعد الفردية، وهى بدورها النسبة الأكبر فى تاريخ المنافسة على هذه المقاعد فى الانتخابات البرلمانية منذ عودة الأحزاب.
ومن بين هذه الأحزاب التى دفعت بمرشحين للتنافس على المقاعد الفردية فى المرحلة الأولى والبالغ عددها 226 مقعداً، هناك 8 أحزاب رشحت أكثر من 50 مرشحاً تجاوز منها رقم المائة مرشح حزب واحد، بينما رشحت أربعة أحزاب أقل من 50 مرشحاً وأكثر من عشرين، وبلغ عدد الأحزاب التى رشحت أقل من عشرين وعشرة فأكثر سبعة أحزاب. أما على صعيد المحافظات الأربعة عشرة التى تجرى فيها انتخابات المرحلة الأولى، فإن الوادى الجديد كانت أكثرها ترشيحاً من جانب الأحزاب حيث بلغت نسبة المرشحين للمقاعد الفردية فيها المنتمين للأحزاب 60% من إجمالى المرشحين للمقاعد الفردية. وعدا محافظة مطروح التى بلغت فيها نسبة مرشحى الأحزاب نحو 10%، فقد تراوحت نسبة مرشحى هذه الأحزاب للمقاعد الفردية بين 28% فى أقل المحافظات و46% فى أكثرها بخلاف الوادى الجديد.
هذه الأرقام السابقة الصادرة عن اللجنة العليا للانتخابات للمرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب تؤكد أن هناك إقبالاً واضحاً وغير مسبوق فى كافة الانتخابات التشريعية المصرية منذ عام 1976 من الأحزاب السياسية لترشيح منتمين إليها للمقاعد الفردية. ولا شك أن هناك ملاحظات كثيرة ومعظمها حقيقى على طبيعة الأحزاب السياسية القائمة فى مصر اليوم وما بها من مشاكل وأزمات تصل إلى حد أن عددا كبيرا منها يصعب اعتباره أحزاباً حقيقية، وكذلك على مدى صدق وحقيقة انتماء عديد من المرشحين لهذه الأحزاب، والذين انضم أعداد غير قليلة منهم لها لأسباب ودوافع آخرها الاقتناع ببرامجها وأهدافها السياسية. ومع صحة كل هذا، فإن هذه النسب المرتفعة غير المسبوقة لترشيح الأحزاب أعضاءها للمقاعد الفردية- وفى ظل القانون الحالى لمجلس النواب الذى يحظر تغيير الصفة السياسية والحزبية للمرشح بعد نجاحه- سوف تؤدى على الأرجح إلى صياغة مشهد حزبى وسياسى فى مصر من قلب مجلس النواب سيكون مختلفاً كثيراً عما كان عليه الوضع منذ عودة الأحزاب السياسية عام 1976 وحتى اليوم، وهذا سيكون موضوع المقال القادم بإذن الله.