الإقبال الضعيف على التصويت فى المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية يوجب علينا أن نعترف بأن هناك شيئاً ما خطأ، ربما أشياء كثيرة، قد يكون الكذب على الناس، قد يكون سوء الإدارة، قد يكون الفشل فى الإدارة، قد يكون الأداء الضعيف، قد يكون الجوع، قد تكون الأسعار، قد يكون سوء حال المرافق والخدمات، قد تكون حالة فوقان، الغشاوة بدأت تنقشع، الناس بدأت تفهم، النتيجة واحدة، وهى أن الناخبين أحجموا عن المشاركة، عن الإيجابية، هى ليست مقاطعة للانتخابات، بقدر ما هى إضراب عن مشاركة الدولة الرسمية فى إحدى أهم فعالياتها، من وجهة نظر الناخب طبعا، هو لم يعد يؤمن بأن عضو البرلمان يمثله، هو يراه تمثيلاً للنظام، هو يعتقد أن النتيجة محسومة سلفاً.
خلال أسبوع واحد تم خفض قيمة الجنيه مرتين، والإعلان عن أكبر خسارة للاحتياطى النقدى بمقدار ١.٧ مليار دولار، بما يدل على أننا نسير إلى الهاوية، فى نفس الأسبوع اعترف رئيس هيئة قناة السويس بتراجع دخل القناة منذ افتتاح التفريعة إياها، بما يدل على أننا أمام فنكوش كبير، فى نفس الأسبوع كانت مباراة السوبر المصرى تقام خارج مصر، بما يدل على أن الأمن مازال فى علم الغيب، فى نفس الأسبوع هوت البورصة إلى أدنى مستوياتها بخسائر يومية بالمليارات، وارتفاع الدين الخارجى إلى ٤٨.١ مليار دولار، بما يدل على تدهور واضح للاقتصاد، فى نفس الأسبوع كان الحديث عن أعلى نسبة تضخم فى الأسعار، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، ومحاولات لاقتراض ثلاثة مليارات دولار من البنك الدولى، بما يشير إلى أن المواطن طفح به الكيل، ثم فى نفس الأسبوع، ومع كل هذه المعطيات يخرج رئيس الدولة إلى الناس يناشدهم المشاركة فى التصويت، بالطبع كان من المتوقع ألا يخرجوا، مما جعل منها استفتاءً على الرئيس، أكثر منها انتخابات برلمانية.
أضف إلى كل ذلك أن المرشحين فى معظمهم دون المستوى، برامج المرشحين دون المستوى، مواقفهم، تاريخهم، انتماءاتهم، ربما أشكالهم، الرأى العام ليس غبياً إلى الحد الذى يمكن أن يشارك فى حدث، هو يراه مجرد فنكوش جديد، قوائم تضم بتاع البانجو، وبتاع التانجو، وبتاع النفاق، وبتاع الرياء، وبتاع كل الموائد، طبيعى أن تقاطعها الناس، مرشحون كل ماضيهم السياسى والاجتماعى أنهم كانوا ضباطا سابقين، أحزابا سياسية تحوم حولها الشبهات من كل جانب، ماذا ننتظر إذن من الناخبين، لقد خرجوا من قبل، وقد فوضوا من قبل، وقد استفتوا من قبل، وقد صفقوا وهللوا من قبل، ماذا كانت النتيجة: مزيدا من الجوع، مزيدا من التشرد، مزيدا من الفساد.
لماذا لا نعترف بأن هناك شيئاً ما خطأ، لماذا لا نبحث عن هذه الأشياء الخطأ، لماذا لا نتوقف عن تكرار هذه الأخطاء، لماذا لا نعالج أخطاءنا. الإجابة بسيطة وواضحة، وهو أننا نعمل بدون هدف، تشخيص الحالة قد يكون واضحا للعيان، إلا أن إرادة الحل أو العلاج غير متوافرة، هناك مافيا مستفيدة من كل الأخطاء، مستفيدة من استمرار الحالة كما هى، هى فى التعليم مافيا المناهج، كما مافيا المطابع، كما مافيا الدروس الخصوصية، كما مافيا التعليم الخاص، هى فى الصحة مافيا المستشفيات الاستثمارية، كما مافيا التشخيص الخطأ، كما مافيا الشهادات الأجنبية المضروبة، كما مافيا العمليات الجراحية دون مبرر، هى فى الاقتصاد مافيا التصدير، كما مافيا الاستيراد، كما مافيا تجارة العملة، كما مافيا تجارة الأراضى، كما مافيا الاحتكار، هى فى الأمن مافيا المخدرات، كما مافيا الدعارة، كما مافيا شركات الحراسة، كما مافيا المرور، كما مافيا التموين، كما مافيا الموانى البرية والبحرية والجوية.
فى مجتمع قام على الفهلوة، وشيلنى واشيلك، كان يجب أن يكون الهدف الرئيسى هو الإصلاح، النظافة، التطهر، لا يمكن إغلاق أى جرح على ما بداخله من قذارة، لن تستطيع مقاومة الصديد مستقبلا، ما بالنا إذا كانت القذارة هى المنتَج الوحيد الذى يتزايد، وبنسب نمو عالية، الفساد بكل مستوياته، السرقة، كما الرشوة، كما استغلال النفوذ، كما الضعف الإدارى والمهنى.
الإحصائيات العالمية أيها السادة، صنفت مصر فى المركز 114 وفقاً لمؤشر منظمة الشفافية لقياس الفساد من بين 177 دولة، كما احتلت مصر المركز 12 بين أقل دول العالم من حيث درجة شفافية الحكومة وذلك فى تصنيف ضم 102 دولة، حيث جاء هذا التصنيف ضمن دراسة علمية صادرة عن مشروع العدالة العالمى، حسبما ذكر الموقع الرسمى للمشروع «WJP».، ما يعنى أن مصر من أكثر 12 دولة فى العالم تنعدم فيها شفافية الحكومة.
مشروع العدلة العالمى كان قد أعد تصنيفًا آخر لتحديد ترتيب الدول فى التزامها بالقوانين ومكافحة الفساد، أطلقت عليه اسم «مؤشر سيادة القانون» وجاءت فيه مصر فى المركز الـ17 بين أكثر الدول معاناة من الفساد، وتراجع ترتيب مصر فى مؤشر «التنافسية العالمية» إلى المركز 119، كما تراجع الموقف فى محفزات الكفاءة، حيث تراجعت جودة التعليم لتسجل 141 من بين 144 دولة، فيما احتلت المرتبة 111 فى جودة التعليم العالى والتدريب، وفى تطور الأعمال والابتكار جاءت فى المرتبة 135، وفى جودة البحث العلمى وإنفاق الشركات على البحث العلمى جاءت فى المرتبة 133.
بأى حق إذن ندعو الناس، فيُلبون الدعوة، وبأى حق نناشدهم فيمتثلون، وبأى حق نطالبهم فيستجيبون، وبأى عين نطلب منهم هذه أو تلك، إذن نسبة (الاستفتاء) على الانتخابات جاءت طبيعية، رغم صراخ وولولة الفضائيات.
لا بديل إذن عن الإصلاح، ورؤية ذلك على أرض الواقع، فلم تعد التصريحات وحدها مجديةً بأى حال.