حلمى النمنم فى عهدتك سيدى الرئيس

عادل نعمان الإثنين 19-10-2015 21:17

السلفيون يسنون أسنانهم على حلمى النمنم، وزير الثقافة، كما سنوها من قبل على وزير الأوقاف الذى منعهم من اعتلاء المنابر، وكان محقا فى ذلك. وزير الثقافة خصمهم اللدود، وكاشف ستر تاريخهم الإرهابى، صرح بأن مصر دولة علمانية. الوزير أصاب الحقيقة. لما كانت مصر ليست دولة دينية تصبح دولة مدنية علمانية (وبضدها تعرف الأشياء). ولأنهم لا يعلمون معنى العلمانية، ولم يفتحوا معجما عربيا واحدا، فلقد اقتصر فهمهم على أن العلمانية تعنى الإلحاد وزواج المثليين. ليس فى قواميس اللغة العربية أو أى لغة أخرى هذا المعنى. السلفيون لا يقرأون إلا كتبهم، ولا يسمعون إلا من أئمتهم، ولا يستوثقون إلا من مصادرهم. لا يعلمون أن إعمال العقل، وهو مرحلة من مراحل العلمانية المتقدمة، ابتدعها أجدادهم المعتزلة فى عهد المأمون الخليفة العباسى. إمامهم ابن عطاء هو إمام المبدعين والمفكرين. المعتزلة أخضعوا كل شىء للعقل حتى النص. هل يعلم السلفيون أن فترة المعتزلة كانت أرقى وأزهى عصور الأمة الإسلامية؟ ازدهرت فيها الترجمات والعلوم والفنون والآداب، وعلوم الفلك والطب والهندسة، وتزاوجت الحضارة العربية مع الحضارات الأخرى، وذاقوا حلاوة الإبداع والتفكير العلمى. حتى ثار عليهم أخوه الخليفة المتوكل ومشايخ الجهل وورثة القهر والنقل، وحاصروا العقل فى حظائر التخلف والفوضى. أقول للسلفيين مادمتم لم تفتحوا معجما لتعريف العلمانية تعالوا أشرح لكم (تعريفها وعلاقتها بالدين). العلمانية اسم منسوب إلى عَلم، أى اتخاذ المنهج العلمى أساسا ومنهجا للتفكير والتنفيذ. نشأ هذا المنهج فى عصر التنوير والنهضة فى أوروبا فى القرن السابع عشر، مناهضا لسيطرة الكنيسة على المجتمع وتعاملها على أساس الانتماءات الدينية والطائفية. وتفصل العلمانية الدين عن الدولة، وتنظم العلاقات الاجتماعية بين أبناء المجتمع على أساس المصالح، وتحتكم إلى قانون وضعى ينظم العلاقات الإنسانية والاقتصادية وليس إلى أحكام دينية، حتى لا تنحاز الأغلبية الدينية لفصيلها على حساب حقوق الأديان الأخرى.

السلفيون يعتبرون العلمانية ضد الدين ودرجة من درجات الإلحاد، وهذا غير صحيح. العلمانية تعنى الحياد بين الأديان، أى فصل كـل ما هو دنيوى عـن كل ما هـو دينى، وليست معنية بالقضاء على الدين، بل العكس فهى تحترم كل الأديان وتضمن لكل صاحب دين عقيدته دون تغول من الأديان الأخرى. عكس السلفيين الذين يحاربون أصحاب الأديان الأخرى فإما أن يعطوا الجزية وهم صاغرون، أو يسلموا أو يقتلوا. العلمانية تحافظ على الإسلام كما تحافظ على غيره من الأديان. حين تكون حرية العقيدة حقا للجميع، وتحميها كل القوانين وتحافظ عليها الدول، تكون كل أديان الله فى أمان. فإذا كنت قادرا على محاربة دين غيرك فى بلدك وهو مستضعف، فهو قادر على محاربة دينك فى بلده وأنت مستضعف. وبهذا حسمت العلمانية صراع الأديان والحضارات.

السلفيون يحاولون إعادة عصر الظلام والتكفير، ويحاربون العقل والفكر الحر ليخلو لهم البسطاء والجهلاء يبيعون ويشترون فى عقولهم ما شاء لهم هذا. هؤلاء يحاولون استنساخ ما فعله آباؤهم فى الإمام محمد عبده، إمام التنويريين، حين حاول إحياء عقل المسلم من سباته، وغلب العقل على النقل، طاردوه بفتاوى التكفير حتى ترك منصب مفتى الديار المصرية. والعلامة على عبدالرازق عبده وكتابه القيم (الإسلام وأصول الحكم)، الذى تبنى قضية مدنية الدولة والتخلص من فكرة الخلافة الإسلامية المستبدة التى تحارب العقل، حاربوه حتى جردوه من درجته العلمية. المفكر فرج فودة كفروه حين نادى بالدولة المدنية وحاصروه وقتلوه بفتوى شيخهم محمد الغزالى فى المحكمة (بجواز إقامة الفرد بمفرده بتطبيق الحد عند تعطيله)، وبهذا أعطى الشيخ سيفا لكل إرهابى يقتل باسم الله ما يشاء. وهذا عظيمنا نجيب محفوظ عن كتابه (أولاد حارتنا) طاردوه بفتواهم، وحاول قتله أحد المهاويس الذى لم يقرأ سطرا واحدا مما كتب. وهذا نصر حامد أبوزيد طاردوه حتى فرقوا بينه وبين زوجه، واعتبروه مرتدا وكاد أن يقتل لولا خروجه من مصر سالما. حبس إسلام بحيرى خمس سنوات عقابا له على فكره ورأيه. ومحاكمة فاطمة ناعوت بتهمة ازدراء الأديان عن خاطرة جال بها عقلها.

السيد الرئيس نحن جميعا وحلمى النمنم فى عهدتك وفى رقبتك. أوقف مهزلة مطاردة المثقفين وأصحاب الرأى، وتشتيتهم فى المحاكم بتهمة ازدراء الأديان. هذا حق النيابة العامة، وهو نص قائم بالفعل ولا أدرى لماذا يتجاهله عمالك؟ عرفوا لنا ازدراء الأديان تعريفا دقيقا، حتى نتجنبه فلا جريمة إلا بنص، ولا تتركوه مطاطا فضفاضا يحبس به من قال لأ ومن قال نعم. وأتساءل: هل تهمة ازدراء الأديان خاصة بازدراء الدين الإسلامى فقط؟ وما قولك فى مئات المشايخ على المنابر يدعون على أصحاب الديانات الأخرى ولم يقدموا للمحاكمة، أليس هذا ازدراء أديان؟ كيف نحاكم على تساؤلات عقولنا وهواجس نفوسنا وحيرتنا وشكوكنا وهى حق يكفله القانون ويكفله رب الأديان، فإذا سمح للناس بحرية الإيمان وحرية الكفر هل نحاكم على ما بينهما؟ إن مطاردة المثقفين ستدفع مصر وأنت ثمنها غاليا. نحن نطالب بحمايتنا من هذا الإرهاب الفكرى الذى يحاصر المثقفين ويزج بهم فى السجون تحت دعاوى ظالمة وغفلة من القانون. كيف تملأ الدنيا حديثا عن تجديد الخطاب الدينى ومؤسسات دولتك تحاصر أصحاب الفكر والرأى؟! أوقف يا سيدى هذه الهجمة الاستبدادية على عقولنا من جهلاء كل العصور، ولا تحاول مهادنتهم، لقد فعلها السادات وقتلوه. هؤلاء لا عهد لهم ولا أمان. أخيرا نحن فى رقبتك.