ما تم تداوله مؤخرا عن المشادة التي حدثت بين رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام والسفير السعودى بالقاهرة ذكرنى بموقف يعود إلى ست سنوات مضت تحديدا في يونيو عام 2009، حين اشتركت في ورشة عمل أقيمت بالمركز الثقافى الإسبانى بالقاهرة «ثربانتس»، قدم فيها صحافيان إسبانيان تجربتهما المبتكرة في اصدار المجلات، «دييجو» و«بيبى» هما فريق عمل مجلة «LAMAS BELLA» الإسبانية، التي تصدر أعدادها بشكل مبتكر، يمكن أن تكون حقيبة قماش، أو صندوق ملون، أو لوحة تعلق على الحائط أو محفظة جلدية.. حين سألتهما عن هدفهما من إصدار مثل هذه المجلة أجابنى دييجو: المتعة هي هدفنا الأول ثم الابتكاروالإبداع، وتحويل الفكرة إلى أشياء وليس كلمات، فالكلمات يمكن أن يختلف فهمنا لها من بلد لآخر وحتى في نفس البلد قد يفهم كل منا الكلمات بطريقة مختلفة فالكلمات مراوغة ولا تعبر دائماً عما يدور بخلدنا، ولذا اخترنا أن نعبر عن فكرتنا بأدوات وأشياء يعرفها الجميع ويفهمها الجميع بنفس الطريقة.
تذكرت هذا النقاش وأنا اتابع ما يكتب عن الشجار الذي تم بين شخصين ينتميان إلى «النخبة»، السيدين: أحمد النجار وهو صحفى بارز، وأحمد القطان وهو دبلوماسى قدير، كيف وصل سوء الفهم بينهما إلى حد التراشق بأكواب المياه؟؟ ولا يهمنى كثيرا من الذي آذى الآخر برذاذ الماء، فما سبق ذلك هو الجدير بالحديث عنه وتوضيحه وتفسيره، وأعتقد ان السبب أن الكلمات دائما تحمل أكثر من معنى وغالبا ما نستقبلها حسب ما اعتدنا عليه في عقلنا الباطن، فكلمة «نقاب» مثلا، يستقبلها السلفي بارتياح والعلمانى بارتياب، وبالتأكيد ان الصحفى والدبلوماسى تبادلا كلمات معانيها تختلف عند كل منهما، وللحظة تذكرت المجلة الإسبانية التي حكيت عنها، والتى تستبدل الكلمات بأشياء، وتمنيت أن يكون بإمكاننا أن نفعل ذلك دائما ولكننى وجدت أن ذلك يبدو صعبا، رغم أننا نفعله في حياتنا العادية حين نهدى شخصا وردة تعبيرا عن الحب أو نأخذ بيد مسن تعبيرا عن الاحترام أو نلقى في وجه أحد بكوب ماء دليلا على السخط والغضب والاستياء.
في حالة شجار الصحفى والدبلوماسى، لم يحدث سوء فهم وفقط ولكن أيضا خلط في المواقف وردود الأفعال.. وتجلى معنى «الكشرى» بأدق اوصافه.
وعند هذه النقطة أعود بكم لعام 2009 من جديد، فحين جاء وقت مشاركتنا كإعلاميين مصريين في عدد خاص من «الأجمل». كان سؤال «دييجو» و«بيبى»: في رأيكم ما العنوان المعبر عن عدد المجلة الصادر من القاهرة؟، اجتمعنا جميعاً على أن يكون عنوانه «كشرى»، فكشرى أكلة مصرية صميمة، وتعبر عن مصر الخليط من هذا وذاك، مصر الهرم والعشوائيات، النقاب والبكينى، صفط اللبن ومارينا، أزمة الرغيف وملاعب الجولف، التعصب لحد الإرهاب والتسامح لحد التهاون، مصر زويل والدجل والمعدن الأحمر.. إلخ.
خلطة الكشرى لا تمتد فقط لأفعالنا ولكن لمفاهيمنا، حتى الآن نحن غير قادرين على تحديد ما المقصود بالصحافة القومية التي ينتمى إليها أحمد النجار أحد أطراف المشكلة وما دورها؟، وهل الصحافة القومية التي مازالت الدولة تساندها وتسدد عنها مديونيتها لها الحق في الخروج عن خط الدولة؟، أم أن عليها الالتزام بهذا الخط ومساندته حتى لوكان على عكس رؤية رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة هذه المؤسسات؟، أم أن معارضة المؤسسات الصحفية لسياسات الدولة جزء لايتجزأ من دورها في تصحيح الأخطاء باعتبارها مملوكة للشعب وليس الحكومة ورئيس الدولة؟ هل يمكن أن يتم التعامل مع الصحافة القومية مثلما تفعل الحكومة البريطانية مع البى بى سى، أم أن الأمر مختلف والتشبيه بعيد كل البعد؟؟
الإجابات وحدها الكفيلة بالحكم على موقف رئيس مجلس إدارة الأهرام، وهل «أحمد النجار» في الجلسة كان يمثل نفسه كصحفى مصرى أم يمثل جريدة الأهرام المملوكة للدولة؟ وهل تمثيله لجريدة الأهرام يلقى عليه أعباء معينة ويفرض عليه تصرفات محددة أم أنه حر في رأيه يعبر عنه كيفما شاء؟، الأسئلة تساهم في التخفيف من الحالة الضبابية التي تحيط بحقوق وواجبات الصحف القومية المملوكة للدولة والشعب، وهل عليها مناصرة الدولة ظالمة أو مظلومة ؟، أم أن عليها التوجيه والتصحيح؟؟ وإلى متى ستظل الحكومة تساند مؤسسات تخسر بسبب سوء إدارة القائمين عليها رغم ما تنعم به من مميزات بالنسبة لغيرها من الصحف الحزبية والمستقلة الخاصة، فهى تمتلك اصولا بالملايين من مبان ومطابع ومخازن واسطول نقل.. إلخ.
أعرف أن الاجابات ليست بسهولة الأسئلة، وأنه سيكون هناك تعارض واختلاف كبير بينها ولكن الأمر يستحق نقاشا موسعا بمشاركة من المجلس الأعلى للصحافة والإعلام ونقابة الصحفيين والصحفيين أنفسهم الذين يعملون في الصحف القومية، وان ينقل الإعلام هذه المناقشات بحيادية وأمانة حتى نصل إلى مفاهيم واضحة، وأهداف محددة ..إنها مرحلة تحديد المسارات والرؤى ووضع الاستراتيجية.. كفانا كشرى.
EKTEBLY@HOTMAIL.COM