المقاطعة ليست حلًا

سيف الله الخوانكي الخميس 15-10-2015 21:24

نوفمبر 2010: تهب رياح التغيير على مصر بشدة وتدرك المعارضة العاقلة حينها المتنافرة فيما بعد أن مقاطعة الانتخابات البرلمانية ربما تكون الخيار الوحيد المطروح لإحراج النظام في ظل واقع سياسي مهيأ لتقبل مثل هذه الخطوة التي ربما تكسر جمود العملية السياسية. وبرغم جدوى المقاطعة حينها لم تلتزم بها القوى المدنية بل وشاركت في الجولة الأولى للانتخابات ثم قاطعت في الثانية بعدما حدث من تزوير. ولكن بعدما اشتدت رياح التغيير وحدث الحراك التاريخي في يناير 2011 ربط البعض بين نجاح يناير مرحلياً ومقاطعة الانتخابات في 2010 برغم انها لم تكن مقاطعة منظمة بل مجرد فشل في المشاركة.

*

نوفمبر 2011: تأتي أول انتخابات برلمانية بعد يناير وإسقاط الحزب الوطني في ظل مشهد سياسي متعثر بسبب غياب توافق على الحد الأدنى من أي شيء له علاقة بالعملية الانتخابية بين الأطراف السياسية المختلفة، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة الغضب بسبب أحداث محمد محمود وما صاحبها من موجة عنف في محيط ميدان الثورة. اختلفت النخبة السياسية بين من يرى المقاطعة هي الوسيلة الوحيدة لتكملة مسيرة يناير وبين من يرى أن الحل يكمن في مزيج بين المشاركة والاعتصام. فكانت النتيجة مشاركة تاريخية وطوابير ممتدة أمام اللجان كما كان الحال في الانتخابات الرئاسية الأولى والثانية دعوات المقاطعة ربما أحدثت تغيير ولكنه ليس ضرورياً للأفضل. فقد كان الشارع هو من قاطع دعوات النخبة السياسية.

*

يقول المثل الشعبي «الراقص على السلالم لا اللي فوق بيسمعوه ولا اللي تحت بيشفوه».

*

اليوم نحن أمام المشهد الأخير من الجرعة الانتخابية الزائدة وبلا فائدة التي تعاطيناها خلال الأربعة أعوام السابقة. وكالعادة وقفت النخبة السياسية حائرة أمام السؤال المكرر هل نقاطع أم نشارك؟ وظهرت وجهة النظر المعتادة الداعية إلى المقاطعة نظراً لممارسات النظام التي لا تشجع على المشاركة بالإضافة إلى التعقيدات الإجرائية والتشريعية بسبب العوار في القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، بالإضافة إلى الدور السلبي الذي يقوم به الإعلام ضد كل من يغرد خارج السرب ولو قليلاً.

معظم ما يرصده المقاطعون حقيقة لا ينكرها إلا أعمى أو مستعمي ولكن إن كان الهدف هو بناء دولة ديمقراطية حديثة من خلال تحقيق تنمية اقتصادية وسلام الاجتماعي، فهل المقاطعة هي السبيل إلى ذلك؟ هل ستعالج المقاطعة الخلل في النظام الانتخابي الحالي؟ هل تمثل المقاطعة خطوة سليمة نحو مستقبل الأفضل؟ للأسف الجابة أتت من أول نتيجة فعلية للمقاطعة وهي فوز قائمة انتخابية بالتزكية لعدم وجود منافسين.

*

المستحيل هو أن تفوز دون أن تشارك. وأحمق استراتيجية هي أن تهزم منافسك بأن تجعله يفوز.

*

من أفضل الدراسات التي تناولت مقاطعة الانتخابات هي التي قام بها معهد بروكينجز عام 2010عن جدوى المقاطعة من خلال بحث شامل تمت فيه دراسة 171 انتخابات مختلفة حول العالم. توصلت الدراسة إلى أن مقاطعة الانتخابات تؤدي إلى النتائج التالية. أولاً، تساعد على تهميش المعارضة وإقصائها من الساحة السياسية وتضعف قدرتها على بناء قاعدة اجتماعية، ولن تؤدي إلى الوصول إلى السلطة في أي حال من الأحوال. ثانياً، المقاطعة في أغلب الأحيان لا تساعد على إضعاف نظام الحكم أو الانتقاص من شرعيته بل العكس هي تضعه في أعلى مرتبة سياسية وهي مرتبة «من لا بديل له». ثالثاً، تؤدي المقاطعة إلى ظهور جماعات سياسية شكلية لا قوة لها لملء الفراغ السياسي الناتج عن غياب القوى المدنية من المعادلة.

تشير الدراسة إلى أنه لا جدوى من المقاطعة على عكس التلويح بها الذي ربما يؤدي إلى تحسين الإطار العام للعملية الانتخابية وهو ما حدث عكسه تماما في مصر. فقد رحبت المعارضة بالمشاركة ولكنها انسحبت قبل بدء الانتخابات لتعزز من خسائرها وتضحي بأي مكسب ممكن أن تكسبه. فما حدث ليس مقاطعة بل استسلاما.

*

خلق مناخ سياسي واقتصادي سليم ليس عملية أوتوماتيكية والمقاطعة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها ليست استراتيجية ناجحة بل قلة حيلة والتحرك نحو مستقبل أفضل يتطلب أن تشكل المعارضة تياراً سياسياً يطرح بديلاً ولا يهاب المشاركة لأن المثل الإنجليزي يقول «إن لم تكن موجوداً على الطاولة، فأنت على قائمة المأكولات».