الأحذية السياسية (حواديت العباسيين-3)

جمال الجمل الأربعاء 14-10-2015 23:03

(1)

أستأذنكم في تأجيل حدوتة سامح الطرابلسي و«المواطنين الشرفاء» من عملاء الأجهزة إلى مقال لاحق، لأن الدكتور رفعت السعيد دخل على الخط، عموما الدكتور ليس بعيدا عن الموضوع، لذلك فإن ظهوره في المشهد ليس مصادفة، فهو واحد من أولاد الـ....«دولة»، إنه الابن «الفركوك» الذي نخر اليسار من داخله، ولا يزال.

(2)

الدكتور تحدث هاتفيا في برنامج يسمى «حضرة المواطن» بعد أن سأله ابن المشروع الإسلامي، سيد علي، وهو يهز رأسه مبتسما باستخفاف: مش عاوزين تتجمعوا ليه، وتعملوا حزب واحد للمعارضة مع حمدين صباحي يادكتور؟

قال الدكتور إن حمدين أخطأ أخطاء فادحة.. ده دخل واحد مسيحي الانتخابات (البرلمانية) مع محمد مرسي تحت برنامج «الإسلام هو الحل»

يواصل ابن المشروع الإسلامي (سابقا) الاستهزاء فيقول: مش ده بتاع شبرا ده يا دكتور؟

الضيف مؤرخ كبير لنضال اليسار، والمذيع إعلامي قادم من أكبر مؤسسة صحفية في مصر، ولغة الخطاب السياسي والإعلامي أمام جماهير المشاهدين في البيوت على هذا النحو المبتذل.

الابتذال ليس في الألفاظ فقط، لكن في المستوى والمعنى والموقف السياسي، ولولا أن الدكتور السعيد صار شيخا أكمل قبل أيام 83 عاما من العمر، لفتحت الملفات التي تكشف مسؤوليته المباشرة عن تخريب اليسار لصالح نظام مبارك، لكن ما فات قد فات، و«صديق الأجهزة» لم يعد لديه وقت ولا جهد ليشارك الأجيال الجديدة في تقرير مصيرها، لذلك أكتفي بإشارة بسيطة أؤكد فيها لجمهور اليسار الذي يعرف السعيد جيدا أن دوره في تخريب وإضعاف اليسار كان أكبر من دور الإخوان واليمين الديني عموما، وهم يعرفون التفاصيل أكثر مني.

الدكتور السعيد الذي يطيب له أن يقدم نفسه باعتباره مؤرخا وقائدا سياسيا معارضا يقول بكل ثقة: أولا حمدين راح فيرمونت، وراح مكتب الإرشاد، وكان بيزاحم في مؤتمر المرشد ليظهر في الصورة، وقال قبلها أنه دفع بمسيحي لخوض الانتخابات تحت شعار «الإسلام هو الحل»، ومعه آخرين دمر مستقبلهم السياسي، ومحدش منهم الآن يقدر يرفع راسه، بعد أن صاروا أحذية في رِجل الإخوان!

المذيع الذي خرج في تعليقاته عن حيادية الإعلامي تحفظ على اللفظ، واعتذر عنه المؤرخ، وبالرغم من أن التساهل مع استخدام هذه اللغة في السياسة يعد جريمة إعلامية وسياسية، ويكشف عن نفسية عدوانية غير سوية تتجاوز زلة اللسان (إذا كانت زلة)، لكن ما يعنيني هو الوقائع، ما يعنيني في قصة السعيد، هو «حدوتة الأكاذيب».. والرغبة في التضليل والديموجاجية، والتأويل المغرض لكل حدث وحديث، حتى لو كان مذاعا ومعلنا، فقد روى السعيد أن حمدين تحدث في أحد اجتماعات لجنة الإنقاذ (يقصد الجبهة) مطالبا أعضائها الـ15 في لجنة الخمسين لصياغة الدستور بعدم المطالبة بإلغاء المادة الخاصة بالشريعة، وكانت حجته «حتى لا يتصور أحد أننا ضد الإسلام»، كما أضاف والعهدة على السعيد: «وقد نحتاج للتحالف مع حزب النور في المرحلة القادمة»

وكان واضحا أن السعيد يهاجم حمدين بشخصه ولا يدافع عن موقف سياسي، ولا يختلف على موضوع، فهو يقول: حمدين عايش في الوهم، ويتصور إنه خد كذا مليون صوت.. الكلام ده كان زمان، الآن هو لايملك شيئا، ولا جماهيرية.

(3)

يا دكتور.. يا مؤرخ.. يا ثقة:

أولا: حمدين لم يحضر فيرمونت، والمؤتمر مصور وموجود في كل مكان

ثانيا: حمدين لم يدفع بأي مرشح تحت شعار «الإسلام هو الحل»، باختصار لأن الإخوان لم يخوضوا انتخابات 2011 التي تتحدث عنها تحت هذا الشعار ولا البرنامج، وما تتحدث عنه كان قائمة انتخابية باسم «التحالف الديمقراطي من أجل مصر» دعا إليه حزب الوفد مع حزب الحرية والعدالة، وتم تأسيسه في صيف 2011 بمشاركة 13 حزباً انسحب منها الوفد والحزب الآخر لخلافات على عدد المرشحين، ومضابط الجلسات، وتصريحات السياسيين كاشفة للمواقف الوطنية، ويمكنها أن تخبرنا بأسماء السياسيين والإعلاميين وغيرهم ممن صاروا «أحذية في الأقدام» وأعتذر عن استخدام السعيد للتعبير (فهو ليس تعبيري)

ثالثا: حديث حمدين عن مواد الهوية والدين في الدستور تتطابق مع تصريحاته ودراساته النظرية منذ كان طالبا في الجامعة، وحديثه عن احتواء حزب النور لعدم إعطاء انطباع بمحاربة الإسلام، وتسهيل فرص تفكيك التحالف المناصر للإخوان، هو التكتيك الذي لجأت إليه خريطة المستقبل في 3 يوليو، والتي تستميت في الدفاع عن أخطائها قبل مميزاتها.

رابعا يا دكتور: الخلاف مع الإخوان ليس خلقة خلقنا الله عليها، كما تتصور وتصور، لكنه خلاف سياسي، ولا أحد يوافق على عقاب مواطن لاعتناقه أي رأي أو أي فكر، لكننا نوافق على عقاب تشكيل سياسي أجرم في إدارته للبلاد، ولم يحافظ على سلامة الوطن والمواطنين، وكان لا بد من إطاحة التنظيم من الحكم، وعدم تمكينه من الإضرار بالبلاد والعباد، وهذا يعني أنني قد أكون محبا ومتعاملا مع الإخوان قبل ثورة يناير، وشريكا لهم في الميدان، ثم اقف ضدهم عندما يسيئون إلى الوطن، فمثلا إذا كنت احترمك قبل هذه التصريحات يا دكتور (وهذا مجرد افتراض)، فمن حقي بعدها (بل من التاريخ والعقل والمفهومية) أن أغير موقفي، والتاريخ بتضاريسه وتعرجاته يشهد بيننا.. وها أنت أيها «المؤرخ العباسي» تسقط في امتحان التاريخ وتستخدم لغة غوغائية ومعلومات خاطئة وتأويلات أتلفها الهوى

(4)

السعيد الذي «طَفّشَ» جيلي والأجيال اللاحقة من بيت اليسار في «كريم الدولة»، هو الذي اخترع نظرية «السقف المنخفض»، وشكل ميليشيا حزبية لترويجها تحت مبرر أن الواقع لا يحتمل الرؤية الأيديولوجية الجامدة، وكانت النظرية مدخلا لعلاقات وثيق مع الأمن بحجة التحالف ضد الإرهاب، مع أن السعيد يرفض الآن تحالف الأحزاب من منطلق أمني وبلغة تشبه اللغة التي يستخدمها اللواء الطرابلسي في مداخلاته!

(5)

تصريحات السعيد برغم سخونتها السياسية جعلت الحدوتة «ملتوتة»، لذلك فكرت في حدوتة موازية رواها السعيد بنفسه في كتاب بعنوان «مجرد ذكريات» عن اجتماع سري للحزب الشيوعي في بلده بمحافظة الدقلهية، وكان الفلاح الفصيح «عم سيد» ضمن أعضاء الخلية التي يقودها السعيد الذي لاحظ عدم حماسه.. وأترك الدكتور الذي صدع رؤسنا بالهجوم على عبدالناصر وثورة يوليو يروي هذه القصة الكاشفة:

«كان (عم سيد) بارداً على غير العادة، تركته زمان وهو يتقد حماساً. إخلاصه بقي كما هو، لكنه اكتسى بمذاق خاص جداً.

* سألني بهدوء: إيه اللي احنا عاملينه ده؟

- ده اجتماع.

* اجتماع إيه؟

- لجنة المنطقة.

* منطقة إيه؟

- منطقة الحزب الشيوعي المصري «حدتو» بالدقهلية.

* ليه؟

- عشان نعيد تنظيم أنفسنا.

* ليه؟

استمرت أسئلة «عم سيد» الموجزة التي تشبه كل منها وخزة إبرة في مكان موجع. لكنه كان يختزن قدراً كافياً من الحكمة ومن الحب لنا دفعه إلى تقسيط الوخزات قطرة قطرة.

استمرسؤال: ليه؟. وأنا أجيب بحرص من يعرف طبيعة المنزلق: لنواصل عملنا الحزبي.

* ليه؟

آه.. وقع المحظور. حاصرني الماكر بسؤاله الساذج والمتكرر حتى قلت: لنؤيد ونحمي ونواصل منجزات عبدالناصر.

ابتسم الفلاح الهادئ الماكر... وسأل: ودي تساوي أننا نقعد في جلسة سرية، ولو اتمسكنا ننسجن كل واحد عشر سنين؟.. عايزين نؤيد؟ نؤيد علنا... إنما سري، ده لما نكون حنعارض...

أحسست ان الرجل يوشك أن يغير مسار الاجتماع بعد أن سكب أمواجاً من ماء بارد على حماسنا السابق وجعلني شخصياً بحاجة إلى إعادة تفكير في كل ما نفعل».

لكن تقديري أن السعيد لم يعيد التفكير، بل لم يحب التفكير منذ صدمة «عم سيد».

...........................................................................................

حواديت الكذابين كثيرة ومستمرة.. انتظروها

tamahi@hotmail.com