تلقيت عبر بريدى الإلكترونى رسالة من القارئ «محمد مجدى» تعقيبا على مقالى «خلو البال» جاء فيها: «استمتعت جداً بقراءة مقالك ولكن.. إلى متى سيظل الكاتب المصرى يسترسل فى الحديث عن المشاكل ويوصف حالة الإحباط التى يمر بها المواطن؟ متى سينتقل من حالة توصيف اليأس والإحباط لدى المواطن ويمتهن بدلا منها فن زراعة الأمل بالأفكار المبتكرة والخلاقة التى تدفع بالقارئ إلى حالة الأمل (دون تزييف للواقع أو تطبيل للحاكم لأن ليس هذا ما أقصده). سيدتى الكريمة نحتاج منكم أن تتحدثوا إلينا عن الحلول لا عن المشكلات، نحتاج من النخبة المثقفة أن تصل إلى المواطن البسيط وترشده كيف يستطيع أن يستغل نعم الله عليه الاستغلال الأمثل وإن كان فقيرا، كيف يستطيع أن يصبح قدوة وإن كان من غير المؤهلين بالعلم ممن نقول عنهم أميين، إقناعه بأن التزامه بمكارم الأخلاق هو فرض وليس اختيارا، هو فى النهاية دوركم وهى مسؤوليتكم».
اتهام الكتاب كلهم أو بعضهم بأنهم من تجار اليأس اتهام باطل، الكاتب ليست وظيفته إيجاد حلول مبتكرة أو غير مبتكرة، لأن مثل هذه الحلول ليست مجال تخصصه ولا يفهم فيها، ولكنه مثل الطبيب حين يشخص المرض، لا يضمن الشفاء ولا يجبر المريض على العلاج، وللقارئ الفاضل أقول إن هناك عددا من المتخصصين فى مجالات علمية مختلفة يكتبون للصحف بجانب عملهم، وهؤلاء يعرضون حلولا مبتكرة وخلاقة لمشاكل مصر فى مجالات تخصصهم، ويوجهون حديثهم للرئيس وحكومته، ولكنها لا تجد طريقها إلى التنفيذ، فالشعب لن ينفذ مشروعا للطاقة المتجددة ولن يحل مشكلة المرور... إلخ، التنفيذ فى يد أولى الأمر، وهؤلاء «ودن من طين وودن من عجين».
المبدعون موجودون فى كل ربوع مصر، وعدد منهم يعرض أفكاره عبر وسائل الإعلام لكن بلا جدوى، فمازال أهل الثقة ينتصرون على أهل الخبرة بالضربة القاضية.
فى المقال السابق تحدثت عن أن الشعب المصرى منشغل البال، وزادت الحالة سوءا بعد ثورة يناير التى صاحبتها ثورة تطلعات، بعد سنوات وجد المستقبل غائما أمامه، وأرجو ألا يرد أحد قائلا: «المستقبل فى علم الغيب، والغيب فى يد الله»، كل شىء بيد الله ولكن الإنسان مخير وليس مسيراً، ولذا سيتم حسابه على أفعاله حساباً دقيقاً، «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره»، وعليه أن يسعى فى الأرض ويخطط لمستقبله وكأنه يعيش أبداً، الشعب تصور أنه قادر على صنع مستقبله ولكنه وجد أنه يُسرق منه.
على مدى تاريخ مصر القديم والحديث انفرد حكامها بتخطيط مستقبلها وفقا لرؤيتهم الشخصية، ودائما ما كان المعاونون الذين يختارهم الحاكم ينفذون له ما يريد ولو كان مخالفا لمصلحة الشعب وتطلعاته، وهو ما صنع الفجوة والجفوة بين الشعب والحكومة أو من يمثلها.
كانت مصر دائما وكأنها قطار المفاجآت، يقوده الحاكم إلى حيث يريد دون أن يُطلع الشعب على محطة الوصول باعتبار أن ذلك سر من أسرار الدولة، وقطار المفاجآت بالمناسبة كان تقليدا سنويا اعتادت عليه سكك حديد مصر فى الأعياد، كان الركاب يركبون القطار ولا يعرفون مقصده، كانت محطة الوصول تبقى سراً لدى السائق وحده يفاجئ بها الركاب، وكانت المفاجأة دائما سارة على عكس ما فعله بعض الحكام بنا.
دائما ما يدعى الحكام أنهم ينفذون إرادة الشعب، وأنهم يشعرون بنبض الجماهير، وعليه يقود الحاكم قطار المفاجآت باعتباره ملهماً، وقد تكون محطة الوصول الجنة أو الجحيم أو ما بينهما.
قادنا ناصر إلى محطة الاشتراكية والتأميمات ومعارك التحرر الوطنى دون أن يستشير الشعب، وكذلك فعل السادات حين قادنا إلى الاتجاه المعاكس، وكانت محطة الوصول انفتاحا استهلاكيا ورأسمالية دون ضوابط، أما مبارك فركن القطار فى المحطة حتى علاه الصدأ وأصبح ملاذاً للفئران والكائنات الضارة، حتى مرسى حينما قرر أن يعطى قيادة القطار إلى المرشد العام لجماعته لم يرجع للشعب.. والآن السيسى يقود قطار المفاجآت من جديد، لا نعرف وجهته، وحين نصل إليها لا نعرف هل ستكون مفاجأة سارة أم لا؟!
قولنا يا ريس رايح بينا على فين؟