قصتان

أيمن الجندي الأربعاء 14-10-2015 21:38

ما أجمل النصوص التى يرسلها لى السادة القراء! أترككم مع النص الأول للدكتور مدحت عبدالسميع وعنوانه «انتظار».

«كم يكره أوقات الانتظار. فرغ من الجريدة وشرع يحلّق فى الفراغ اللانهائى. وفجأة! ما هذا؟ يا الله! إنه يذكر هذه المشية مهما اختفت خلف النقاب الذى عرف- وهو يتسقط أخبارها- أنها صارت ترتديه. كم تمايل وقع حياته سابقا على وقع خطواتها.

مهما رأى فى رحلة حياته بعدها فلا شيء يمكنه أن ينسيه هذه العيون. خضرة حقول حدودها السماء! براءة طفل ما زال يحبو. نظرة كالشمس تحمل الدفء فى نهار الشتاء إن رضيتْ! وتصليك بلظى الظهيرة إن أعرضت.

ألقتْ السلام واستأذنت فى الجلوس على المقعد الشاغر جواره فتأكد مما لا شك فيه. هذه النبرات لا يمكن أن تخطئها أذناه مهما مرت السنوات. تماما كما فى السابق. كانت نبضات قلبه تتسارع فى الماضى مع حرف من شفتيها.

مد يده مصافحا.. ثم تماما كما كان فى السابق. سعادة غامرة تسربت من يديها لتسرى فى كل خلايا جسده. حتى وإن كان بينهما قفاز لم يعده وسنوات عديدة لا يريد أن يتذكرها.

تبادلا حوارا لا كلمات فيه. تذكرا أياما لم يكونا فيها إلا قلبين. استعاد مشاعر حسبها ماتت ولكنه اكتشف أنها ما تزال خابية- مهما طال عليها الزمن- كجذوة متقدة تحت الرماد تنتظر هبة من نسمات الماضى لتتوهج، لتحملنا إلى عوالم سحرية، تنقذنا من الكَبَد الذى نحياه، وتعود بنا إلى أزمنة من العشق فارقناها منذ زمن.

حملته السعادة على جناحيها. استعاد معها عشقهما لفيروز ولكنه أخبرها أن أغنية «لا أنت حبيبى ولا ربينا سوا» صارت تؤلمه.

تحدثا عن كل شىء. لا يدرى كم من الوقت مر عليهما فى جلستهما تلك. استأذنت فى الانصراف. شعر بروحه تبتعد عن جسده مع خطواتها.

فى الوقت نفسه كان ولده يقبل نحوه مهرولا يعتذر عن التأخير، وهو يستفسر منه عما كان يتمتم به فى جلسته وحيدا».

■ ■ ■

والآن أترككم مع تلك اللقطة الإنسانية المؤثرة للآنسة علياء رفعت بعنوان «فى المترو».

فى عربة المترو، وإلى جوارى تماما كانت تجلس فوق شنطة سفرها وهى تبكى بحرقة. عيناها متورمتان، أنفها يسيل، والمرارة تكسو ملامحها، لم ألحظها- بسبب كثرة رواد العربة- إلا عندما طلبت منى منديلًا، حينها فقط نظرت إليها للمرة الأولى واعترتنى الدهشة لهول منظرها.

لم أستطع أن أسألها عن سبب بكائها، ولكن هذه المرارة البادية على وجهها لا يُخلّفها إلا فقد أحدهم بفراق فى الحياة أو بالموت. أعطيتها المنديل واحتضنتها بدون وعى رغم عدم سابق معرفتنا، فتعالى صوت نشيجها فيما كنت أمسح على رأسها.

لا أدرى لماذا انتابتنى أنا الأخرى رغبة مُلحة فى البكاء! وددت لو أننى صرخت بكل ما أملك من قوة ونعت هذه الحياة القاسية بما تستحقها. انطلق لسانى فجأة، ووجدتنى أخاطبها قائلة:

«معلش كلنا موجوعين، العالم مكان مش مُنصف والحياة مش حلوة زى حكاوى سيندريلا والأفلام، ولاد الكلب فيها كتير، ازعلى أوووى، عيطى وفرغى كل الحزن اللى جواكى لجل ما يجيلك يوم تضحكى وترمى كله ورا ضهرك.. لازم هنضحك فى يوم، لازم».

والذى حدث بعدها أنها ابتسمت! واحتضنتنى هى الأخرى. ثم غادرنا بعضنا البعض وهى تحلم بيوم تضحك فيه كما وعدتها، وأنا أدعو الله لكى يهدئ من روعها ويطمئن قلبها.

elguindy62@hotmail.com