تشرذم النخبة (٢)

عبد الناصر سلامة الثلاثاء 13-10-2015 21:41

زعيم إحدى النخب السياسية فى مرحلة ما، الدكتور محمد البرادعى، هرب إلى خارج مصر فى صمت ودون إبداء أسباب، وزعيم النخبة المنافسة الفريق أحمد شفيق استمر فى الهروب وسط غموض وارتباك فى إبداء الأسباب، وزعيم نخبة النضال التعبوى الحنجورى الأخ حمدين صباحى وافق على القيام بدور ما، فسقط إلى غير رجعة، ونخبويون آخرون التزموا الصمت فى ظل اتهامات جاهزة قد تلحق بهم أذى كبيرا، أمثال الدكتور طارق البشرى، والدكتور محمد سليم العوا، والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وهناك من ساهموا فى الأزمة ولم يكتشفوا ذلك إلا بعد فوات الأوان، وها هم يحاولون التكفير ومحاولة العلاج، أمثال الدكتور علاء الأسوانى، والدكتور عمرو حمزاوى، بينما كان جزءاً منها ومن صناعتها الدكتور زياد بهاء الدين والدكتور مصطفى حجازى، وها هما يسعيان جاهدين للاغتسال والتطهّر، بينما أحد الفاعلين الكبار الدكتور حازم الببلاوى لا يسعى إلى الاغتسال، ولا إلى التطهر، وبقيت يداه ملطختين بالدماء.

هناك أيضا من النخبة الكثير والكثير، ممن وردت أسماؤهم فى القضية ٢٥٠ أمن دولة، المحظور النشر فيها، الخاصة بالتمويل الأجنبى، والتى أجدها أيضا عصية على التداول حتى الآن لأسباب أصبحت واضحة، إضافة إلى الكثيرين ممن آثروا الانطواء والانزواء فى هذه المرحلة غير واضحة المعالم، إلا قليلاً ممن نسمع أصواتهم مع سخونة الأحداث، ومن بينهم الدكتور نادر فرجانى، والدكتور حازم حسنى، ناهيك عن بعض الأسماء القليلة التى حرصت على عدم الابتعاد عن الساحة، قد يكون بالانغماس فيها كالسيد عمرو موسى، أو بتوازن كالدكتور مصطفى الفقى.

كل هذه الأسماء، التى أسعفتنا بها الذاكرة، لها فى أوساط المجتمع المختلفة ما لها من شأن وتقدير، إلا أن أدوارها جميعا توارت خلف النخبة المزيفة من مذيعى برامج التوك شو، وجيل جديد من المرتزقة ومدمنى المخدرات، بل أصبحوا فى فئة الدرجتين الثانية والثالثة لدى القيادة السياسية، حال تعلق الأمر بمجموعات من صعاليك اليسار والشيوعيين، والنور وتمرد، إلى غير ذلك من الذين تسلقوا وأثروا، وفى الوقت نفسه انقضّوا على ما تبقى من غنائم مادية وعينية.

تأتى بعد ذلك نخبة الأحزاب السياسية، والتى هى فى الواقع كانت عبر تاريخها، منذ التعددية التى أطلقها الرئيس الراحل أنور السادات، استكمالاً لصورة رسمتها دائماً وأبداً السلطة الحاكمة، حيث اعتادت هذه الأحزاب تلقى الدعم فى صور مختلفة، ودون حياء، فقد كان هناك الدعم للحزب، والدعم للصحيفة، والدعم بتأشيرات الحج والعمرة، التى كانت غالبا تُباع إلى شركات السياحة، ناهيك عن توقيع الوزراء لطلبات أعضاء الحزب ونواب البرلمان منهم، فيما يتعلق بالحصول على أراض، ووحدات سكنية، وسفر للخارج، إلى غير ذلك من انتهازية مزمنة، ورشاوى مقنعة.

الأمر المهم الآن هو أن أحداً لم يعد يعرف عدد هذه الأحزاب، ولا برامجها، ولا قادتها، فى إطار هذه الحالة الغريبة من التصفيق والتهليل لأى شىء وكل شىء، وهل مازال يمكن أن يُطلق عليها مسمى أحزاب المعارضة، أم أن هذا المسمى من المفترض أنه تلاشى تدريجيا مع تطور الأوضاع إلى الحد الذى جعل من وجودها تحصيل حاصل، لا فائدة منه، وبالتالى فقد افتقدت هى الأخرى مواصفات النخبة، وقد تكون الأوضاع قد عادت الآن إلى مدرسة الراحل كمال الشاذلى من حيث الاتفاق على عدد عضوية كل حزب بالبرلمان، وبالتالى حجم المعارضة المسموح بها على مدار العام، حتى يكون هناك شكل من أشكال الديمقراطية المصطنعة فى البهو الفرعونى المغلق ليس إلا.

تأتى بعد ذلك نخبة رجال الأعمال، أو العاملين فى حقل الصناعة والتجارة والاقتصاد، بمختلف صورها، وهذه الجماعة فى معظمها تعيش الآن حالة من عدم الثقة مع النظام السياسى لأسباب كثيرة، بعضهم يخشى من الغدر فآثر السلامة وتقديم فروض الولاء والطاعة، حتى لو كان ذلك فى صور تبرعات مالية للصناديق والاحتفالات، أو مساهمات بأشكال أخرى كطائرات حمل الوفود خلال أسفار الرئيس، أو إعلانات المبايعة والتأييد بالصحف، أو تسخير وسائل الإعلام المملوكة لهم فى الدعم والمؤازرة، أما البعض الآخر فقد آثر الابتعاد ومراقبة الموقف عن قُرْب، مما رفع من وتيرة التوجس بين الطرفين، بينما البعض الثالث انخرط فى العمل السياسى بقوة، مما بدا أنه نهج مناوئ للسلطة، إلا أن الأمر سوف تتضح معالمه جلياً مع الانتخابات البرلمانية المقبلة، وحجم صفقات احتواء الموقف.

على أى حال، التشرذم، كما هو واضح، سيد الموقف فيما يتعلق بالنخبة المصرية، وهى بمثابة حالة اهتراء وتدهور تمثل صورة مصغرة لحالة الدولة ككل.