لطفى السيد واليابان وألمانيا

حلمي النمنم الثلاثاء 13-10-2015 21:42

باتت واقعة «أحمد لطفى السيد» مع الديمقراطية من الطرائف والمضحكات التى نستمتع بروايتها، كان لطفى السيد من أوائل المنادين بالديمقراطية كأسلوب للحكم، ولدينا من يتوجسون دائماً من أى تجديد أو جديد، وهؤلاء المتوجسون من «الديمقراطية» ملأوا الفضاء المصرى- آنذاك- بأن الديمقراطية تعنى الكفر بالله، وأنها تؤدى إلى الانحلال الأخلاقى، حيث يمكن للأخ أن يتزوج بأخته، والابن بأمه، وهكذا.. والذى حدث أن لطفى السيد خاض انتخابات الجمعية التشريعية عن منطقة السنبلاوين، وسأله أحد المواطنين «هل صحيح أنك ديمقراطى؟» وأجاب لطفى السيد نعم.. أنا ديمقراطى، وكانت الإجابة كافية كى لا يحصل على أى نسبة من الأصوات، وفاز عليه خصمه؛ كان أستاذ الجيل ديمقراطياً بحق، حيث تقبل الهزيمة وراح يتندر بما حدث له، مع تلاميذه وبين أصدقائه.

جرت تلك الواقعة فى مطلع القرن العشرين، وانتظر المصريون حتى قامت ثورة 1919 وجاء بعدها دستور 23 واكتشف كثير منهم أن الديمقراطية ليست كفرا ولا تمثل أى تهديد للإسلام، بل ازدهرت المعانى والقيم الدينية السمحة فى طل الديمقراطية؛ صحيح أن عوام المصريين، رفضوا الديمقراطية- ابتداء- خوفاً على دينهم، لكن الصحيح أيضاً أن الذين زرعوا هذا التصور لديهم كانوا يهدفون إلى الحفاظ على الاستبداد الاجتماعى والسياسى، قائماً ومتغلغلاً فى المجتمع ومؤسسات الدولة، ومن ثم فإنهم حين أشاعوا ذلك كانوا يحمون مصالحهم، بل وجودهم ذاته، أقصد وجودهم السلطوى فى المجتمع.

الأزمة التى تم اصطناعها حول الديمقراطية وحول لطفى السيد تحمل عدة دلالات.

أولاً: هناك فريق يهمه إشاعة الجهل وتعميمه، عبر تخويف المواطنين من أى جديد، وتشويه ذلك الجديد؛ وهم يفعلون، ذلك- غالباً- خوفاً على مصالحهم ورغبة فى المزيد من التسلط والهيمنة على عقول وضمائر المواطنين.

ثانياً: لا يجد هذا الفريق غضاضة من الزج بالدين فى مثل هذه المعارك، ولا يدركون أنهم بذلك يسيئون للدين ذاته، ذلك أن الإسلام دين سماوى منزل من عند الله سبحانه وتعالى، وله قدسيته، ولا يليق بأى حال من الأحوال أن يوضع فى حالة مقارنة أو مفاضلة مع فكرة أو حتى نظرية سياسية قابلة للتغيير وللتعديل، بل يمكن أن تأتى نظرية جديدة تنسخها تماماً أو تدخلها ذمة التاريخ.

الزج بالإسلام فى كل أزماتنا وقضايانا خطأ كبير، حتى أولئك الذين احترفوا التخريب والقتل والإرهاب، زعموا أنهم يفعلون ذلك باسم الإسلام ومن أجله، وبسبب زعمهم هذا وجدنا، لأول مرة، مظاهرات فى أوروبا ضد الإسلام ذاته كدين، وصار الإسلام مرادفاً فى أذهان كثير من الغربيين للإرهاب وللعنف وانتهاك الحريات، رغم أن القرآن الكريم يحمل آيات بينات تعلى من شأن حرية العقيدة وتجعلها حقا أساسيا للإنسان، والمعروف أن حرية الاعتقاد أرفع وأعلى مستوى للحرية الإنسانية.

ثالثاً: تم تعديل النظرة إلى الديمقراطية وتقبلها بقبول حسن لدى معظمنا، بل قامت المظاهرات للمطالبة بتحقيقها، ورغم ذلك ما زال الاتهام الذى علق بلطفى السيد بسبب تبنيه الديمقراطية قائماً، أى أننا نحبذ الديمقراطية لكننا نلعن ونكفر أول المنادين بها إلى اليوم.

حكايتنا مع الديمقراطية باتت فى ذمة التاريخ، لكن آليات رفضها والتعامل معها ما زالت قائمة بالنسبة لأى جديد، لم يتغير شىء كبير فينا، الذهنية نفسها ما زالت قائمة، تعميق الجهل والتخويف من الجديد والإصرار على وضع الدين فى حالة عداء مع كل جديد، وبعد ذلك نتساءل لماذا يتقدم الآخرون ونتأخر نحن؟

اليابان ضُربت بقنبلتين ذريتين سنة 1945 وهزمت فى الحرب، وجرى احتلالها، ومع ذلك فى أقل من عقدين على الهزيمة نهضت وشبت من جديد، وصارت منافساً خطراً لمن هزموها واحتلوها.

ألمانيا دمرت تماماً وهزمت هزيمة ساحقة فى 1945، وتم تقسيمها وأقيمت قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، وبنى سور برلين داخل عاصمتها، ومع ذلك عبرت الهزيمة ونمت اقتصادياً وتوحدت من جديد، وهى اليوم أكبر قوة اقتصادية فى أوروبا، وكلمتها مسموعة فى العالم كله، ويحسب لها ألف حساب.

نحن، هزمنا فى 1967، ولم نستسلم ثم انتصرنا فى معركة مجيدة للجيش وللشعب المصرى فى أكتوبر 1973، وكان المفترض أن ننهض بعدها مباشرة ونواصل الانتصار فى ميادين الاقتصاد والتنمية والسياسة، لكن ذلك لم يتحقق، على العكس من اليابان وألمانيا رغم استسلامهما تماماً للهزيمة.

السبب، أنهم هناك لا يقضون عقوداً يفتشون فى نوايا الآخرين وعرفوا بوضوح ماذا يريدون لبلدانهم، وطبقوا مقولة عبدالمطلب جد رسولنا الكريم «للبيت رب يحميه، أما أنا فرب الإبل»، وطبقوا كذلك حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنتم أعلم بشؤون دنياكم، المهم لديهم الفعل والعمل والإنجاز.

يمكننا فهم أن يجهل البعض فكرة ما، لكن الإصرار على الجهل وتعميمه ثم تحويله إلى جهالة، هو ما يؤخر الأمم، وهذا ما تجاوزه اليابانيون والألمان، ومازلنا نتعثر فيه.