.. وماذا عن الأنظمة (٨)

عبد الناصر سلامة الأحد 11-10-2015 21:19

إذا كانت وفاة جامعة الدول العربية أصبحت أمراً واقعاً بحكم ما نحن فيه الآن، ولم يبق سوى إعلان ذلك رسمياً أو استخراج تصريح الدفن، أعتقد أن الأنظمة الحاكمة ليست بمنأى أبدا عن حالة الوفاة أيضا والتى أصبحت إكلينيكية بحكم الواقع، مع نشر خرائط التقسيم الجديدة للمنطقة، إلا أن الدفن فى هذه الحالة لن يحتاج إلى تصريح، وذلك لأن ثورات الشعوب هذه المرة سوف تكون طبيعية، على ما آل إليه حال البلاد والعباد فى كل قطر على حدة، وبالتالى فإن القاعدة الحتمية (فيُصلب حتى تأكل الطير من رأسه).

وقد يعتقد القادة الجمهوريون فى هذه، أو العائلات الحاكمة فى تلك، أن الأموال المهربة هنا وهناك تمثل حماية من أى نوع، أو أن الاستثمارات الغامضة لدى هؤلاء وأولئك سوف تكون بمنأى عن المساءلة، أو أن هناك نظماً من أى أعراق وأجناس أخرى سوف تؤوى هذا أو ترحب بذاك، الأمر أكبر من ذلك بكثير، فلا مكان للخونة حتى لدى من استخدموهم، يبدو أنهم لم يتعلموا من دروس التاريخ.

الحقيقة المؤكدة هى تراجع الاحتياطى النقدى لدى كل هذه الأنظمة موضوع الحديث. الحقيقة المؤكدة هى تراجع مدخلات الجميع نتيجة تراجع أسعار النفط فى هذه، أو التجارة والصناعة فى تلك. الحقيقة المؤكدة هى أن الإتاوات على الجميع قد ارتفعت أرقامها إلى ما لا طاقة لهم به، بدءا من شراء سلاح، أو زيادة إيداعات، أو الدخول فى استثمارات. الحقيقة المؤكدة أيضا هى اهتراء الجبهات الداخلية فى كل منها، الانقسامات حتى داخل الأُسر الحاكمة لم تعد سرا، كما الغليان داخل الجمهوريات أصبح حالة واضحة.

الغريب فى الأمر هو أن التنسيق بين الجمهوريات من جهة، والأنظمة العائلية من جهة أخرى، لم يرق أبدا إلى بحث مواجهة هذا الخطر القادم من الخارج، بدا طوال الوقت أنه ليس مسموحا بذلك، التنسيق فقط كان فى مواجهة أخطار الداخل، بمعنى آخر مواجهة الشعوب، بالتالى كانت الشعوب ومازالت ترحب بأى مسعى خارجى لإنقاذها من هذا الجبروت، وهذا هو الخطر الحقيقى الذى يتهدد المنطقة الآن، حينما لا تجد الشعوب وسيلة للخلاص من الحاكم إلا التعاون مع الخارج، رغم ما يحمله من مخاطر قد لا تبرأ منها هذه الشعوب، لا على المدى القصير، ولا على المدى البعيد.

فى الوقت نفسه قد تصطدم الشعوب هى الأخرى باستقواء الحاكم بقوى خارجية لإنقاذه، إنقاذه مِن مَن؟، إنقاذه من شعبه، فقد قرر أن يظل يحكم شعبه على غير إرادته. أصبحنا إذن مسرحا للعمليات، لسفك الدماء، لتجارب أنواع جديدة من الأسلحة، لتأكيد واقع مناطق النفوذ بين الدول الكبرى، ولتأكيد أننا شعوب لا تستحق الحرية، وربما لا تستحق الحياة، هم أرادوا لنا ذلك، ونحن نؤكده على مدار الساعة.

أذكر فى عام ١٩٩٦، وخلال القمة العربية بالقاهرة، سألتُ العقيد الليبى معمر القذافى سؤالاً حول خلافاته مع دولة الكويت فى ذلك الوقت، وكان قد عقد جلسة ثنائية فى الصباح مع ولى العهد آنذاك الراحل الشيخ سعد العبد الله، فأجاب القذافى قائلا: أنا كنت أقترح، وهذا هو سبب الخلاف، دمج بعض دول الخليج صغيرة الحجم إلى بعضها البعض، أو حتى دمجها مع الدول الكبرى بالمنطقة، حتى لا تستدعى دائماً، كما هو الحال، قوات أجنبية لحمايتها، لأن ذلك يعد هدراً لثروات المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يمثل عودة إلى زمن الاستعمار الذى ناضلنا كثيرا من أجل رحيله. انتهى كلام القذافى.

وها هى عقارب الساعة تعود إلى الوراء، ويعود الاستعمار ليفتت المنطقة من جديد، وفى الوقت الذى كان ينظر فيه البعض إلى تصريحات العقيد الليبى حول مزيد من التجمع العربى، على أنها نوع من الشطط، أصبحنا نرى عمليات التقسيم الآن سواء فى العراق، أو سوريا، أو ليبيا، أو اليمن، أمرا طبيعيا لم يهتز له الضمير العربى، بل ويغط القادة فى نوم عميق، غير مدركين أنهم فقط لهم يصبهم الدور، الذى لن يسلم منه أحد.

على أى حال، فيما يبدو أن القادة العرب الراحلين، والسابقين، كان يجب أن يرحلوا حتى يمكن تنفيذ المخططات الجديدة للمنطقة، فقد كان هؤلاء رغم أى ملاحظات حول أى منهم من أى نوع، آخر المؤمنين بالعروبة، وآخر من تصدوا لمثل هذه المخططات، وكانت لكل منهم مواقفه فى هذا الشأن، ويكفى أن أحدهم طرح فى يوم ما فكرة مزيد من الاندماج، أما الآن فلا مكان لا للعروبة ولا للإسلام، جميعهم خاضعون لمزيد من التفتت، ولم نسمع لهم همساً، فربما حصلوا على وعود بدويلة من هنا، أو حتى إقليم من هناك، رغم أن مجرد اللجوء السياسى وقتها سوف يكون دربا من الخيال.

abdelnasser517@gmail.com