المسجد الأقصى

شوقي علام الأحد 11-10-2015 21:19

لا ريب أن للمساجد وأماكن العبادة قدسية خاصة فى نفوس المسلمين، فقد وضعت لتربية النفوس وتهذيبها وربطها رباطًا وثيقًا بخالقها سبحانه وتعالى.

ويحتل المسجد الأقصى مكانًا خاصًّا فى قلب ووجدان كل مسلم، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين، فقد ثبت توجه المسلمين فى صلاتهم بداية الأمر إلى المسجد الأقصى، ثم تحولوا عنه إلى القبلة الحنيفية، حيث بيت الله الحرام فى مكة المكرمة.

وقد شُيِّد المسجد الأقصى بعد بيت الله الحرام بمكة المكرمة بأربعين عاما، فعن أبى ذَر رضى الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أى مسجد وضع فى الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قلت: ثم أى؟ قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة» (متفقٌ عليه).

وهو أحد المساجد الثلاثة المفضلة فى الإسلام على جميع المساجد الإسلامية، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدى، ومسجد الأقصى» (متفقٌ عليه)، وهو المكان المقدس الذى وطئه وحلَّ به الرسل والأنبياء من قبل، فكان مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلاءً لبركته وإشارة إلى تمكينه من حرمى النبوة والشريعة، وإكمال الفضائل لجنابه الكريم حتى لا يفته منها فائت، قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].

هذه النصوص الشريفة والواقع التاريخى جعلت المسجد الأقصى وما حوله قريناً للبيت الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما جعله يعيش فى ضمير وقلب المسلمين، الأمر الذى انعكس على مسؤوليتهم عنه، فقد فتحه سيدنا عمرو بن العاص رضى الله عنه وتسلم مفاتيحه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ثم جاء صلاح الدين يوسف بن أيوب وأعاده إلى حظيرة الدولة الإسلامية مرة أخرى من يد الفرنجة، وما زال الأقصى والقدس الشريف حتى يومنا هذا من مسؤولية المسلمين، حيث تم إسناد الإشراف على شؤونه للمملكة الأردنية الهاشمية من الناحية القانونية، رغم اغتصاب الكيان الصهيونى للأراضى الفلسطينية.

ومنذ الاحتلال الغاشم لهذه البقعة الغالية على العرب والمسلمين لم يترك فرصة إلا اقتنصها للاعتداء على القدس الشريف، بل تنوعت وسائله لانتهاك حرمته وقدسيته، ولا ريب فهذا عهدهم بالمقدسات، حيث لم يحفظوا حرمة المسجد الأقصى فى غابر الأزمان، فكان إفسادهم سبباً فى تسلط أعدائهم عليهم وخراب المسجد الأقصى، ولم يكن هناك من رادع لهذا الاحتلال من قرارات أممية أو مناشدات دولية، أو نضال فلسطينى على استحياء فى عُدَّته وعتاده، وكان فى كثير من الحالات ينتفض الفلسطينيون لردع هذا العدو الغاشم مرات ومرات، إلا أن ذلك كله لم يثن هذا العدو عن مخططه الخبيث وعن طموحه الغاصب فى جعل القدس الشريف عاصمة لهذه الدولة المغتصبة للأرض والعرض وكرامة الإنسان.

ولم يزل هذا المسلسل من الاعتداء على القدس الشريف والمسجد الأقصى- فضلًا عن الاعتداء على الفلسطينيين فى الداخل، أو ما يطلق عليهم عرب 48– مستمرًا إلى وقتنا هذا، ولعل ما شهدته الأسابيع الماضية من صور الاعتداء على المسجد الأقصى والقدس الشريف خير دليل على ما نقول، غير أن اللافت للنظر فى هذه الحالة الأخيرة هو التطور النوعى المستمر من الكيان الإسرائيلى من اقتحامه لباحات المسجد الأقصى لأيام متتالية واعتدائه على المصلين المعتكفين، فضلًا عن إطلاق الرصاص المطاطى عليهم والقنابل الحارقة.

كل ذلك تم وسط صمت دولى مريب، بل إنه يصح أن نصف المجتمع الدولى فى هذه الحالة بأنه بات أعمى وأصما أمام كل هذه الانتهاكات التى لا يقرها شرع ولا عرف ولا قانون داخلى أو دولى.

إن الاعتداء الإسرائيلى بات غير مكترث بشىء، لا بالقيم الإنسانية ولا الدينية ولا بالقانون الدولى، بل ضرب بكل ذلك عرض الحائط، ولم يكترث بالعالم العربى، فقد استغل انشغال العرب بوضعهم الداخلى فصعَّد من وتيرة الاعتداء على هذه المقدسات والذى لم ينقطع يومًا.

إن هذا الاعتداء المتكرر المستمر على الأقصى الشريف يؤدى بلا شك إلى استفزاز مشاعر العرب جميعا بمختلف دياناتهم، وينشر مشاعر الكراهية والعداء، بما يؤدى إلى تأجيج الصراع فى المنطقة، وهو ما يصب فى النهاية فى صالح الجماعات الإرهابية ويعطيهم الفرصة الكبيرة لكى يجدوا لهم سندًا فى زعزعة المجتمعات المستقرة ليس فى الوطن العربى فقط، بل فى دول العالم كله، إذ الإرهاب لا وطن له كما معلوم.

ولكن مما يساعد على تواصل هذا الاعتداء من قبل الكيان الصهيونى هو حالة التشرذم التى يعيشها الشعب الفلسطينى، والتى لم يعد لها مبرر فى استمرارها فى هذا الوقت الفارق من حياة الأمة العربية والإسلامية، ومن هنا يجب على الفلسطينيين بمختلف فصائلهم الاعتصام بقضيتهم والتوحد ونبذ الخلاف، وأن يدافعوا بكل قوة عن المقدسات فى مواجهة هذا الإرهاب الإسرائيلى.

ولا ينبغى للمجتمع الدولى أن يقف مكتوف الأيدى أمام الإرهاب الإسرائيلى، بل يجب عليه القيام بدوره، ومن قبله جامعة الدول العربية، وكل الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وسلامة المقدَّسات.