مغالطات منطقية

أيمن الجندي الأحد 11-10-2015 21:18

تعقيباً على مقالى «التفسير المادى للإسلام» جاءتنى الرسالة التالية: «المقالات من هذا النوع هى لحن يستمع له المتدينون ليطربوا ويعرفوا أنهم على حق. المتدين يهرع ساعة الأذان ليصلى لأنه خائف من الشك فيه.

مثلاً القرآن يدل بشدة على الحالة النفسية للرسول. والقرآن إطناب فى إطناب وتكرار المعنى ألف مرة. بينما يمكن تلخيصه فى عشرين صفحة».

انتهى الخطاب الذى يعرض ثلاث أفكار رئيسية:

أولا: المؤمن ليس مؤمنا كما يبدو فى الحقيقة. إنه يتظاهر بالاقتناع بالدين لأنه لا يقوى على مجابهة احتمال أنه غير صحيح.

ثانيا: القرآن يعكس الحالة النفسية لمحمد.

ثالثا: التكرار فى القرآن ينفى بلاغته. ويمكن تلخيصه فى عشرين صفحة.

■ ■ ■ ■

أرجوكم أن تصدقوا أننى لا أهدف من الرد إلى الدفاع عن الإسلام بقدر ما أهدف إلى إعلاء العقل والمنطق! ولئن قرأتم فى سياق المقال ما تعتبرونه تمجيداً للقرآن، فإن ذلك لم يكن إلا لأن العقل والمنطق يُوجبان على ذلك. هدفى الحقيقى هو أن أنقل خبرتى إلى الأجيال الجديدة فى طريقة التفكير المنطقى، فى مواجهة أفكار إلحادية، لم يعد ممكناً تجاهلها، وإنما صار الخيار الوحيد أمامنا هو مواجهتها.

الفكرة الأولى: المؤمن ليس مؤمنا كما يبدو فى الحقيقة، ولكنه خائف من الاعتراف بشكوكه. يذكرنى هذا بمقولة البعض إنك تشتهى الأم جنسياً فى مرحلة ما ولكنك تقمع هذه الشهوة! أو أن اشمئزازك من المثلية الجنسية يدل أنك ترغبها ولكنك تقمع هذه الرغبة! ستحاول أن تقسم أنك لا تشتهى أمك ولا ترغب مطلقا فى الرجال، حينئذ سيقولون فى ثقة: «بل تشتهى ولكنك تنكر».

وهكذا ندور فى حلقة مفرغة. إذ إن ما لا يمكن نفيه لا يمكن أيضا إثباته. هذه مغالطة منطقية معروفة. وكأنه يستحيل أن يُوجد بالفعل رجل لا يشتهى أمه ولا توجد لديه ميول مثلية! أو رجل اطمأن قلبه بالإيمان دون أن تكون لديه شكوك يحاول عقله الباطن أن يقمعها!

■ ■ ■ ■

أما بالنسبة لانعكاس الحالة النفسية لمحمد فى القرآن، فأنا مستعد أن أصدقهم إذا دلونى على الآيات التى ذكرت أحزانه الشخصية عند وفاة زوجته الحبيبة خديجة وعمه الحنون أبى طالب، والتى بلغت من عمقها أن سمّاها «عام الحزن».

لقد كتبت آلاف المقالات ومئات القصص، وأعرف جيدا مدى تأثر إنتاجى الأدبى بحالتى المزاجية. هذا ليس له وجود فى القرآن أصلا. لا يوجد أى شىء يدل على مزاج كاتبه! بل هو التعالى المطلق والكبرياء اللامتناهى. فى القرآن لا يوجد سرور ولا شغف ولا حزن ولا يأس. وإنما العظمة والتأله والتعالى فوق البشر. ربما يواسى الرسول لدى تكذيب قومه. ربما يُوعد المكذّبين بسوء الخاتمة. ربما يبشّر المتقين بحسن الخاتمة. ولكن بعظمة إله متعالٍ فوق البشر.

■ ■ ■ ■

أما الرد على إمكانية تلخيص القرآن فأقول إنه- بطريقة التفكير هذه- يمكن تلخيصه، ليس فى عشرين صفحة، وإنما فى صفحة واحدة. بل يمكن تلخيصه فى ثلاث كلمات: «اعبدونى وافعلوا الخير». أليست هذه خلاصة جميع الوصايا الدينية؟

لكن القرآن أنزله الله للتدبر والأنس به. لو كنتم تقرأونه لعرفتم كم هو كنز ثمين. كل آية فيه سهم يخترق القلب، وكل سورة مسبوكة من الذهب. هذا يعود بى إلى الملاحظة التى لطالما أبديتها: «أنتم لا تقرأون القرآن، وإنما تقرأون عنه. لأنكم لو أفرغتم له قلوبكم لما احتجتم إلى التساؤل عن أصله الإلهى».

elguindy62@hotmail.com