رسائل بوتين من ضفاف الفرات

محمد كمال الأحد 11-10-2015 21:20

أثناء مظاهرات ما عرف بـ«الربيع العربى» عام 2011، وتصاعد حديث الولايات المتحدة عن ضرورة رحيل حليفها فى مصر الرئيس السابق مبارك، ومساندتها للمتظاهرين فى البحرين (مقر الأسطول الخامس الأمريكى)، استضافت إحدى القنوات التليفزيونية الأمريكية السفير الروسى فى واشنطن للتعليق على هذه الأحداث. أبرز ما شدنى فى حديث السفير كان تأكيده المتكرر أن الولايات المتحدة لا تقف مع حلفائها فى أوقات الأزمات، بل قد تضحى بهم، فى حين أن روسيا تلتزم دائما بمساندة أصدقائها. حديث السفير الروسى فى ذلك الوقت لم يكن موجهاً بالدرجة الأولى للمشاهد الأمريكى ولكن للدول الحليفة للولايات المتحدة واستهدف توجيه ضربة للمصداقية الأمريكية لديهم.

تذكرت أخيرا هذا الحديث وأنا أتابع التدخل الروسى فى سوريا. فالرسالة الأولى والأساسية التى يوجهها بوتين من التدخل هى للعالم العربى، ومفادها أن روسيا تقف مع حليفها بشار الأسد، فى حين أن الولايات المتحدة تقف مترددة وعاجزة عن مساندة حلفائها داخل سوريا. وبغض النظر عن موقفها من ممارسات نظام بشار الأسد، فإن هذه الرسالة تعزف على وتر حساس لدى العديد من الدول العربية التى اهتزت مصداقيتها فى الشريك الأمريكى منذ أحداث الربيع العربى وحتى التقارب مع إيران. هذه الدول بدأت تشعر بأن الولايات المتحدة تخطط للانسحاب التدريجى من المنطقة، ولايزال يطاردها شبح التدخل فى العراق، ويقف الرأى العام بها ضد أى التزام بالأموال أو الأرواح فى الخارج. فالولايات المتحدة تسعى لمحاربة داعش والإرهاب من خلال عقد المؤتمرات الدولية واستخدام ضربات جوية ذات تأثير محدود على الأرض، فى حين أن روسيا تتبنى جهدا عسكريا شاملا (من الجو والبحر والأرض) لمواجهة داعش.

هدف بوتين ليس فقط الحفاظ على بشار أو القاعدة العسكرية الروسية فى ميناء اللاذقية، ولكن استغلال لحظة الضعف والتردد الأمريكى فى المنطقة لبناء مصداقية لروسيا فى العالم العربى كحليف يمكن الاعتماد عليه، وشريك اقتصادى وعسكرى للدول العربية التى لا تستطيع بمفردها مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

الرسالة الثانية لبوتين موجهة للولايات المتحدة، ومفادها أن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدى تجاه المحاولات الأمريكية لحصار الدب الروسى والعودة لسياسات الاحتواء التى شهدتها مرحلة الحرب الباردة. روسيا كسرت طوق الاحتواء بالتدخل فى أوكرانيا واستعادة شبه جزيرة القرم. والتدخل فى سوريا هو امتداد لهذا النهج فى التفكير.

رسالة بوتين الثالثة موجهة للداخل الروسى، وتستهدف تغذية المشاعر القومية والحنين لماضى القوة السوفيتية، يضاف لذلك إدراك بوتين أن تدخله فى سوريا سيؤدى لارتفاع أسعار البترول (سلعة التصدير الأولى لروسيا)، ودعم قيمة العملة الروسية، وهو ما تحقق بالفعل، وأدى كل ذلك لزيادة شعبيته.

الخلاصة أن تدخل بوتين فى سوريا يستهدف ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، ويؤرخ لمرحلة جديدة للدور الروسى فى العالم. ولكن تبقى ملاحظتان، الأولى هى أن هناك حدودا للدور والقوة الروسية فى ظل التحديات الضخمة التى يواجهها الاقتصاد الروسى، والملاحظة الثانية هى أن الدور الروسى الجديد يرتبط بشكل أساسى برؤية الرئيس بوتين- وهو وحده محور النظام السياسى- ولكن لا يوجد أى ضمان على استمرار هذه الرؤية وهذا الدور فى مرحلة ما بعد بوتين!

makamal@feps.edu.eg