عن خبراء أسيوط (1)

نصار عبد الله السبت 10-10-2015 21:22

على مدى ما يقرب من خمسين عاما تقريبا شاء لى قدرى أن أكون دائم التعامل مع مكتب خبراء وزارة العدل بأسيوط، سواء مدعيا تارة، أومدعى عليه تارة أخرى،.. وسواء طاعنا أحيانا على إحدى الأوراق بالإنكار أو بالجهالة أو بالتزوير، أو مطعونا ضده أحيانا أخرى بذات الطعون!!، وقد أتاحت لى كل تلك الأعوام أن أتتبع عن كثب شديد ما طرأ من التطور على مستوى خبرة وأداء السادة الخبراء بأسيوط، ( بل وأنماط سلوكهم وتعاملهم مع المتقاضين أيضا).. والواقع أن متابعتى لهم لم تقتصر على هذه الأعوام الخمسين، بل إنها تمتد فى الحقيقة إلى ما يربو على الستين عاما عندما كنت فى طفولتى وصباى أجلس فى دوار جدى (عمدة البدارى غرب) المجاور لمحطة الأتوبيس أراقب تلك المجموعة من الخصوم المحيطة بدلال البلد: «تادرس أندراوس» ومساعده عجايبى! وهم ينتظرون جميعا وصول السيد الخبير من أسيوط، وكان الخبير يصل دائما فى موعده وربما قبله ببضع دقائق، وبمجرد أن يصل كان يحتسى قهوته، وإن كان من الخبراء من يرفض احتساءها، خاصة عندما يكون أحد أطراف الخصومة واحدا من أقاربنا!!، بل إن من بينهم من كانوا فى مثل تلك الحالة يرفضون أن يكون دوار العمدة أصلا مكانا للانتظار!!، ويقومون بتحديد موقف الأتوبيس بدلا منه حيث ينتظر الدلال والخصوم، وعند وصوله ينتقلون جميعا إلى المقهى المجاور حيث يفتح الخبير محضره، ويثبت أسماء الحاضرين ثم ينتقل ـ سيرا على الأقدام ـ إلى موقع النزاع لمعاينته على الطبيعة!، وعندما كان الأمر يحتاج إلى سيارة خاصة كان الخبير يطلب (عربة أجرة).. يقوم بسداد أجرتها بنفسه.. كان بدل الانتقال المقرر للخبير فى ذلك الوقت يكفى لسداد أجرة سيارة مخصوصة ويزيد!،

من جانبهم كان خبراء وزارة العدل فى تلك الحقبة يأبون على أنفسهم أن يركبوا سيارة أحد الخصوم أو حتى سيارة محايدة، ولو كانت سيارة العمدة!!.. أما الآن فقد اختلفت الحال تماما، وأصبح الخبير فيما يبدو يعتبر بدل الانتقال جزءا من دخله لا يجوز استخدامه فى الانتقال لأسباب عديدة، أهمها أنه غير كاف أصلا لهذا الغرض!!، وهكذا انتقل عبء توصيل الخبير لموقع النزاع إلى الخصوم!!، وأصبح المدعى فى غالب الأحوال هو الذى يقوم بجلب سيارة الأجرة من البدارى إلى مكتب خبراء وزارة العدل بأسيوط لكى تحملهما معا بعد ذلك إلى مكان انتظار الدلال فى البدارى، ثم تتجه بعد ذلك إلى موقع النزاع حيث يكون بقية الخصوم فى الانتظار، وبعد المعاينة تقوم السيارة ـ على حساب المدعى أيضا ـ بتوصيل الخبير فى رحلة العودة مرة أخرى إلى مكتب خبراء وزارة العدل بأسيوط!!، وبذلك يتحمل المدعى أجر سيارة مخصوصة عن يوم كامل بالإضافة إلى قيمة أمانة الخبراء التى يكون قد سبق له سدادها قبل إحالة الدعوى إلى المكتب (أتساءل هنا: ما دام المدعى هو الذى يتحمل العبء، لماذا لا تقوم الدولة بتحصيله منه مقدما كجزء من الأمانة ثم تصرفه للخبير بالكامل أو حتى تصرف له أضعاف قيمته صونا لكرامة خبرائها وحفظا لكبريائهم؟؟)... لقد سبق لى أن كتبت هنا مجموعة من المقالات بعنوان: «تدهور العدالة»، تكلمت فيها عما طرأ على منظومة جهاز العدالة ككل من التدهور، وأظن أن ما تردد من الحديث مؤخرا عن خبراء أسيوط (الذين هم جزء من خبراء مصر الذين هم بدورهم جزء فاعل من منظومة العدالة ككل) أظنه مناسبة مواتية لفتح هذا الملف مرة أخرى، وللحديث بقية.

nassarabdalla@gmail.com