الاختلاف «العربى - الغربى» حول الإرهاب

ضياء رشوان الجمعة 09-10-2015 20:46

حتى وقوع الهجمات الإرهابية فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 على واشنطن ونيويورك، ظل النظر إلى ظاهرة الإرهاب مختلفاً بوضوح بين الدول العربية والإسلامية، وبخاصة تلك الواقعة فى منطقتى الشرق الأوسط والخليج التى كانت تعانى منه، وبين الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الغربية. فقد بدأ استخدام مصطلح «الإرهاب» مبكراً لوصف عمليات العنف التى قامت بها بعض الجماعات الإسلامية الجهادية فى بعض الدول العربية، وفى مقدمتها مصر التى عانت من تلك العمليات منذ نهاية السبعينيات، وكان أبرزها عملية اغتيال الرئيس المصرى الأسبق أنور السادات عام 1981. وعلى الرغم من بدء استخدام نفس المصطلح فى بعض الدوائر الأمنية والسياسية والإعلامية الغربية فى نفس الوقت، فإن تقدير حجم ومدى ومخاطر ومسببات ظاهرة الإرهاب فى تلك الدوائر كان مختلفاً كثيراً عن ذلك القائم فى الدوائر العربية المماثلة. ومع اندلاع موجتى العنف الإسلامى الأكبر فى كل من الجزائر ومصر فى صيف عام 1992 وحتى انحسارهما فى نهاية عام 1997 بدا أن الفجوة ما بين التقديرات العربية والتقديرات الغربية، وبخاصة الأمريكية، تجاه تلك الظاهرة آخذة فى الاتساع.

إلا أن العام التالى مباشرة، 1998، كان هو نقطة البدء الرئيسية فى تراجع مساحة تلك الفجوة، وتزايد التقارب بين التقديرات العربية والتقديرات الأمريكية والغربية لظاهرة الإرهاب. فقد شهد شهر فبراير من ذلك العام تشكيل «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين» بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، والتى تحولت بعد هذا إلى تنظيم القاعدة، مما دفع الاهتمام بالظاهرة إلى مقدمة الأولويات الأمنية الغربية، وبخاصة الأمريكية وقارب تدريجياً بين الرؤى العربية والغربية، وبخاصة الأمريكية.

وقد كان النظر إلى ظاهرة الإرهاب لدى النظم فى العالم العربى مختلفاً عن النظر إليها من الجانب الغربى والأمريكى فى ذلك الوقت من عدة زوايا أبرزها حجمه ومداه، حيث كان التقدير العربى يرى أنها ظاهرة عالمية- أو هى على الأقل مرشحة لذلك- فى حين كان التقدير الغربى والأمريكى يعتقد أنها ظاهرة محلية تتركز فى بعض البلدان العربية والإسلامية. وقد ارتبط بذلك الخلاف حول الحجم والمدى اختلاف آخر حول المسببات الرئيسية لهذه الظاهرة، حيث ساد لدى النظم العربية تصور بأنها نتجت عن خليط من الانحراف الفكرى والدينى لعناصر وجماعات إسلامية عن صحيح الفهم الإسلامى، والدعم الخارجى الفكرى والمادى من دول وجماعات ذات طبيعة إسلامية متطرفة، فضلاً عن التواطؤ– أو التجاهل– من جانب دول غربية تجاه بعض العناصر القيادية لتلك الجماعات التى أعطيت حقوق اللجوء والإقامة فى بعض الدول الغربية. أما الفهم الرائج فى النظم الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة لمسببات الظاهرة فقد كان يركز فى تلك المرحلة على الأبعاد المحلية، خصوصاً تلك المرتبطة بالثقافة الدينية الإسلامية السائدة، وبالطبيعة غير الديمقراطية والمغلقة للنظم السياسية فى الدول العربية، فضلاً عما ينتجه التخلف الاقتصادى من مشكلات اجتماعية مثل البطالة أو التباين الحاد فى توزيع الثروة والخدمات والوظائف بين شرائح المجتمعات العربية ومناطقها المختلفة.

واليوم، بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على هذا التباين فى الرؤى العربية والأمريكية الغربية لمسببات ظاهرة الإرهاب، وبالرغم من تحول هذه الظاهرة نوعياً واتخاذها مسارات جديدة غير مسبوقة، سواء فى العالم العربى والإسلامى أو فى العالم عموماً، وبالرغم من التقارب النسبى فى أساليب التعامل معها فى شكلها الجديد أمنياً وعسكرياً بين الدول العربية والولايات المتحدة ودول الغرب، فإن الاختلاف القديم حول أسبابها ودوافعها لا يزال قائماً ويبدو فى بعض الأحيان عميقاً، الأمر الذى يلعب دوراً رئيسياً فى عدم نجاح جهود مواجهة الإرهاب، سواء كانت منفردة أو ثنائية أو جماعية.

أفلا يفرض هذا ضرورة البدء من جديد فى محاولة التوصل لفهم مشترك بين العرب والأمريكيين والغربيين لظاهرة الإرهاب المقيتة، حتى يمكن النجاح فى إنهائها؟

diaarashwan@gmail.com