منذ 25 يناير تكاثر الذين حصلوا على مهنة وزير بصورة غير عادية، وجرى اختيارهم بسهولة غير عادية، وبعضهم أتى وذهب ولم يترك لا بصمة ولا أثراً، وبعضهم أتى وبقى دون أن يفعل أو يشعر أحد به أو بما يفعل، وإن كان قد نجح فى استثارة ضجيج إعلامى لا يفيدنا بشىء ولا يفيده بشىء.
وزمان، أيام ما قبل يوليو، كان موقع الوزير موقعاً سياسياً لا يتطلب أى علاقة متخصصة بوزارته، مكرم عبيد [وزير مالية] فؤاد سراج الدين [وزير زراعة ] النقراشى [الخارجية] حسين هيكل [معارف عمومية] نصرت بك [دفاع] ويتولى الشؤون المتخصصة موظفون دائمون يعرفون ما يفعلون. ثم كانت يوليو التى فرضت العسكرة على أغلب الوزارات إما لضمان ولاء قيادات أو إبعادها عن المؤسسة أو مكافأتها. وطبعاً كان الجيش كمؤسسة قادراً على إمداد الوزارات بمتخصصين فى مختلف المجالات، وساد أيامها تعبير أهل الثقة وليس أهل الخبرة أو الجمع بينهما مع أولوية الثقة.
ونقفز إلى 25 يناير ليجرى الاختيار بالسمع والوشوشة فلان كويس- كان فى الميدان- ابن حلال- جدع، يأتون ويذهبون دون أن يتركوا أثراً. ثم نأتى إلى المجلس الراحل فنجد مهام هامة مالية- اقتصاد- تعليم عالى وغير عالى، تمنح على الشهادة أو المنصب السابق- أو العلاقة الوظيفية بالمؤسسات الدولية وغيرها. وبعضهم مخلص تماماً وقرأ كتباً وحفظ ما فيها عن ظهر قلب كما يقولون.. لكنهم ويا للأسف بكل ما قرأوه عن اقتصاديات المجتمع الرأسمالى كانوا مثل الدواء الذى فقد صلاحيته فيضر متعاطيه. وأعتقد من متابعة الأفعال والأقوال والتصريحات أن بعضهم انتهت علاقته بالعلوم الاقتصادية عند حدود الكتب الكلاسيكية والتى أتت فى مطلع القرن العشرين والنظريات التى بنيت عليها نماذج رأسمالية نجحت فى إقامة بنية رأسمالية نهضت بمنظومات الصناعة والتداول السلعى والزراعة الحديثة والتطوير العلمى والتكنولوجى، وتستند هذه النظريات أساساً إلى قانونين: التشغيل بمعنى تحويل المتعطل إلى مشتغل فيتقاضى أجراً ويستهلك سلعاً أكثرها بالتقسيط فتدور عجلة الإنتاج وينهض الاقتصاد، والقانون التالى هو قانون التساقط بمعنى أن عملية تمركز رأس المال فى يد حفنة من مستثمرين كبار يصل بهم إلى مرحلة الاكتفاء فيبدأون فى إسقاط أمطار من العطاء للمجتمع المدنى وللمؤسسات العلمية والجامعات والأبحاث، وبهذا يتحقق نمط من عدل اجتماعى شبه متوازن يتساقط عبر ضمير مفترض من هؤلاء الكبار. وبعد ذلك نقول: إن المجتمع الرأسمالى متوحش بذاته ويزداد توحشه ما لم تسُده قواعد ديمقراطية ملزمة وحاسمة، فإذا تم التشغيل فى مجتمع مثل ما نعيش فيه يدخل المشتغل إلى سجن المستثمر، بعد أن يجبر على كتابة استقالة مسبقة والتوقيع على استمارة «6» ولا يمكنه أن يستند إلى سند نقابى يحميه ولا يكون أمامه إلا المشاغبة [اعتصام- وقفات- إضرابات...إلخ] فيصبحون فى نظر المستثمرين عناصر سلبية تعرقل مسيرة استغلالهم. أما التساقط فقد قلنا إنه يتطلب ضميراً ولقد- أقول لقد- يوجد لدينا شخص أو اثنان نادران من هؤلاء لكن حتى هذا النادر يستهلك ما تساقط من حصيلة استغلاله أو أغلبه فى الدعاية لنفسه ولمشروعه «الجليل». والمشكلة أن الوزراء الذين ذاكروا جيداً هذه الكتب التى انتهت صلاحيتها وأسقطها المجتمع الرأسمالى من حساباته ما زالوا يمارسون ما قالت به، ولأنهم لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالحس الاجتماعى فإنهم يطبقون جدول الضرب الذى ذاكروه بلا ضمير اجتماعى ولا يهتمون بأثره أو تأثيره على الفقراء الذى صنعوا الثورتين وينتظرون العيش والحرية والعدل الاجتماعى. ويواصلون بناء مشاريعهم عبر ابتزاز الفقراء برفع أسعار الكهرباء- الغاز- المياه- الطعام- وحتى الخضروات. ويمضون غير مبالين فيدعون أنهم يخدمون الفقراء بينما هم يفعصونهم بأصابع جهنمية. كذلك فإن هؤلاء الوزراء تجريبيون وكما قلت سابقاً يتعلمون الزيانة [الحلاقة] فى رؤوس الحزانى. وهكذا «تطق فى دماغ الوزير» فكرة تتحول إلى مشروع وضجيج إعلامى ثم «تطق فى دماغ» وزير آخر فكرة مضادة، ثم تطق فى دماغ مجلس الوزراء تشكيل لجنة لبحث مشروع ثالث.
ويكون التخبط فى زمن صعب ومرير، ويحتاج عقلا وتعقلا واحتراما لمشاعر الشعب وللعدالة الاجتماعية التى يتكلمون عنها كل يوم ويغتالونها كل ساعة، فإلى متى؟