لمرة ثانية استمتع بقراءة كتاب «سراى السلطان» الذى قام بتأليفه «أتفيانو بون» سفير جمهورية البندقية فى إسطنبول خلال إقامته بها فى إبريل سنة 1604 حتى إبريل 1616، والكتاب صدر بترجمة عربية للأستاذ زيد عيد من دار «كلمة» عام 2014، وهو يتضمن إشارات لنمط الحياة الاجتماعية والثقافية للأتراك فى تلك الفترة، وكذلك عاداتهم وأعرافهم، كما يوثق لنا انطباعات الغرب المسيحى عن المشرق الإسلامى فى أوائل القرن السابع عشر الميلادى، أيضًا يتضمن طرائف وغرائب ونوادر ومفردات لغوية تركية قاومت الزمن واستقرت فى لهجاتنا الدارجة ومازلنا نستخدمها دون معرفة المصدر، وقد اخترت لكم بعضها علها تبين جماليات ومعلوماتية هذا الكتاب.. «الانكشارية» تعنى بالتركية الجيش الجديد؛ وهى فرقة كان لها مركز قوى بين فرق الجيش العثمانى، وقد ظهرت فى زمن السلطان أورخان الأول، وكان جنودها يؤخذون من الشبان المسيحيين الذين يتعين على المدن المسيحية الخاضعة للسيادة العثمانية أن ترسلهم سنويا لخدمة السلطان، «السنجق» لفظة تركية تعنى العلم المنصوب على سارية مدببة الرأس؛ ثم استخدم إلى جانب اللواء للدلالة على الوحدة الإدارية العثمانية، «الغليون» نوع من السفن الشراعية الحربية فى الأسطول العثمانى وبالتركية كاليون «Kalyon» والكلمة مأخوذة من الإنجليزية « Galleon»، «الجاويش» يعنى التابع أو الرقيب أو الساعى، «القابيجى» هو بواب القصر السلطانى، «الصوفا» تعنى قاعة أو أريكة للجلوس بالتركية وأصلها عربى من الصوف الذى يصنع منه الوسائد، «البستنجى باشى» المشرف على تأديب الموظفين المخالفين، ويندرج تحت إمرته أكثر من ألفى رجل يقومون بمختلف الأعمال، وكان رجاله يعرفون بالبستنجية، لأن وحدتهم نشأت فى الأساس لتحويل الأراضى المهملة حول القصر إلى حدائق وبساتين، «الصندلجية» الذين يقومون بمهمة التجديف بقوارب السلطان، «البلطجية» أى أصحاب الفؤوس، وكان من مهامهم تسوية الطرق وتجفيف المستنقعات وقطع الأشجار، ثم تولوا حراسة حريم السلطان حينما يخرج السلطان بنفسه إلى الحرب، «كيخيا» أصلها فارسى وتعنى صاحب البيت ثم أصبحت لقبا يطلق على مديرى الأعمال أو المشرفين على إدارة أعمال كبار رجال الدولة، «أودة أو أوضة» كلمة تركية تعنى الغرفة، «الركابدار» رئيس السراجين الذين يعملون بوظيفة سرج خيل السلطان، «مطبخ قوش خانة» هو المطبخ الخاص لإعداد طعام السلطان.
ومن المعلومات المهمة فى الكتاب أن الرحالة «توماز ألبيرتى» ذكر فى عام 1620 أن اللقب السلطانى الذى يخلعه السلطان على نفسه كان: «خادم الحرمين الشريفين: مكة والمدينة، وظل الله فى الأرض، وخليفة رسول الله، وملك الملوك...» ومن عادة السلطان عند الأكل أن جلالته لا يتحدث مع أحد مطلقا، برغم وجود بعض الخرس والأقزام حوله الذين يقومون ببعض الألعاب فيما بينهم، ويهرجون ويمزحون دائما دون أن يتكلموا، بيد أنه يكون مفهومًا جيدًا للسلطان، لأنه اعتاد الفهم بشكل ممتاز دون كلام، ويبقوا فى صحبة السلطان ويحلو له أن يصفعهم على وجوههم ويركلهم بالقدر الذى يشاء، ولكى يتحملوا ذلك بسرور دون صوت، فإنه يهبهم بسخاء من صرة النقود التى بجواره. والمدهش أن هؤلاء المهرجين من الخرس والأقزام لا يسمح لهم بمغادرة القصر إلا عند موتهم؛ ثم يصادر السلطان كل ما ادخروه طيلة حياتهم!