ذعر فى واشنطن، وارتباك فى بريطانيا، وتراجع فى مواقف فرنسا وألمانيا، ردود فعل عربية ملتبسة ودعوة من رابطة علماء المسلمين للمجاهدين فى سوريا إلى توحيد صفوفهم ونبذ خلافاتهم لمواجهة التدخل الروسى، معتبرة أنها تقاتل فى سوريا نيابة عن الغرب وإسرائيل وإيران، للحيلولة دون «أن يحكم المسلمون السنة أنفسهم بأرض الشام»!
هل الضربات الروسية ضاعفت التشظى فى سوريا أم أنها أضاءت المشهد وأظهرت الحقائق، وأكدت المخاوف حول تورط أمريكا فى خلق داعش وتصدير الإرهاب للدول المجاورة؟
نفى الرئيس الأمريكى أوباما أن يكون الاختلاف حول سوريا عودة للحرب الباردة بين بلاده وروسيا، سوريا ليست كوبا، والصراع ليس مقارعة إعلامية وتصريحات عدائية ولكنها حرب عالمية مصغرة.
تحولت سوريا لمسرح عمليات مفتوح أمام القوى الإقليمية والدولية، الكل يحاول أن يسحق عدوه بالضربة القاضية ولكن حتى الآن الأمرلا يتجاوز الفوز بجولة مقابل خسارة أخرى.
سوريا هى حجر الزواية فى المخطط المزمع تنفيذه فى الشرق الأوسط، والذى بدأ بسقوط بغداد، ثم ثورات الربيع العربى وتفجير الصراع المذهبى والطائفى فى عدد من الدول العربية، وهذه الحروب الأهلية فى حقيقتها ليست سوى غطاء لحروب القوى الكبرى التى ترتّب لنظام عالمى جديد يخدم مصالحها.
أعادتنى الذاكرة لموقف لابد من استعادته فى هذه الظروف، «مؤتمر الأمة المصرية لدعم الثورة السورية» الذى نُظم بتاريخ 15 يونيو 2013 فى ستاد القاهرة وحضره الرئيس المعزول محمد مرسى وسط حشد ضخم من مؤيديه، وتحدث فيه الشيخ محمد عبدالمقصود الذى دعا للجهاد فى سوريا لنصرة الإسلام ومحاربة من يسيئون للرسول وصحابته، متخذا من أحاديث نبوية ضعيفة سندا لحجته: «إن فسطاط المسلمين فى الملحمة فى الغوطة بجوار بلد يقال له دمشق من خير بلاد الشام»، وحديث آخر: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم»، ثم جاءت كلمة الشيخ محمد حسان تأكيدا لخطاب صاحبه، وأضاف أن مصر احتضنت مؤتمر علماء المسلمين الذى ضم 500 عالم، أجمعوا على وجوبية الجهاد بالمال والنفس والسلاح فى سوريا، وهو تكليف للمسلمين فى جميع أرجاء الأرض وناشد الرئيس بتفعيل توصيات العلماء، وألا يفتح أبواب مصر للرافضة (الشيعة) فما دخلوا مكانا إلا أفسدوه.
كانت كلمة مرسى تتويجا لخطابات من سبقوه الجهادية التكفيرية، وأصدر على الهواء قرارات رئاسية فورية: قطع العلاقات مع سوريا وإغلاق سفارتها فى القاهرة وسحب القائم بالأعمال المصرى فى دمشق، وكرر عبارة: «لبّيك يا سوريا»، وكأنه صلاح الدين الأيوبى فى حربه مع الصليبيين أو سيف الدين قطز فى تصديه للتتار.
هذا المؤتمر الحاشد كان قى اعتقادى المسمار الأخير الذى دُق فى نعش الإخوان، والذى جمع الشعب بالجيش ومؤسسات الدولة المصرية العميقة، فها هو رئيس مصر يعلن صراحة عن موافقته ودعمه لإرسال المصريين للجهاد فى سوريا وتحويلها إلى أفغانستان جديدة، منفذا مخطط قوى إقليمية تسعى لتوسيع نفوذها فى المنطقة، دون أن يدرك حجم الكارثة التى كانت ستحيق بالدولة المصرية والهاوية التى كان سيسقط فيها الشعب والجيش، ولا أدرى لو لم تنجح ثورة المصريين الرافضة لحكم الإخوان فى عزل مرسى ومساندة الجيش ماذا كان يمكن أن يكون حال مصر وإلى أى مصير كانت ستنتهى؟.
من اللحظة الأولى التى استقرت فيها الأمور بعد عزل الرئيس مرسى بات واضحا موقف مصر، كبيرة العرب بحكم التاريخ والجعرافيا والحضارة والثقافة رغم أنف الحاقدين، والذى أكده الرئيس السيسى بعد انتخابه، وهو رفض التدخل العسكرى فى سوريا والدفع فى اتجاه التفاوض لإيجاد حل سياسى للخروج من هذه الفوضى، وهو ما يتحدثون عنه الآن، حتى لا يتعرض الجيش السورى ومؤسسات الدولة للانهيار والتفكك، كما حدث فى العراق وحلول الفوضى والإرهاب محلهما، وكان سينالنا من الأمر القدر الوفير.. وهو المخطط الذى لم يتم والحمد لله.
ونحن نحتفل بنصر أكتوبر، أقولها بفخر إننا انتصرنا شعبا وجيشا فى معركة أخرى لا تقل أهمية عن معركتنا مع إسرائيل.. معركة وجودنا والحفاظ على هويتنا.. تحيا مصر.