رأيتُ المناجلَ لا تحصد الزرعَ.. رأيتُ الزَّبَدْ

جمال الجمل الثلاثاء 06-10-2015 21:29

(1)

«إلى الدم العربي/ خيطا ممتد من النزيف/ قربانا لغد قادم». (أحمد عنتر مصطفي)

......................................................................................................

(2)

قالت خطب الرؤساء أن أكتوبر آخر الحروب، لكن خيط الدم استمر، والنزيف ظل ينهمر، ولم يأت الغد الذي انتظره الشاعر أحمد عنتر مصطفي؟

كنت أفتش عن قصيدته «الخبيئة» التي أشهر فيها فيه أوجاع «أم الشهيد» وسط مبالغات الاحتفال بانتصار أكتوبر، لكنني لم أجد سوى الدم مرهونا ببشارة لا يتبعها الخلاص، فالحرب هي الحرب، والذي كان قد كان، وفي حضور الدم لم يعد القلب يعرف، ولا العين ترى أي جحيم ذلك الذي سينفجر في الخطوة القادمة.

خرج أحمد من المشهد، صار أحمد المنسي بين فراشتين، وصرت اسأل كما سأل محمود درويش عن «أحمده العربي»: كيف سَكَنْتَنا عشرين عاماً واختفيتَ/ وظَلَّ وجهُكَ غامضاً مثل الظهيرة؟

ظل وجه أحمد عنتر ساطعا في عيني، لم تجفف السنوات الطويلة ماء شعره من الذاكرة، ولم تبهت صورته في مرايا الزمن المعتم، انسحبت قصيدة «أم الشهيد» ولا أعرف إلى أي مخبأ لجأت؟، لكنني سأعثر عليها، وأضمها إلى أبجدية الموت والثورة.

وحتى يتحقق ذلك الحضور أستعيد روح الشعر وصوت الشاعر في هذه المقتطفات

(3)

* لا يزعمُ الماءُ/ حين تسودُ عليه الطحالبُ / أنَّ الركودَ فضيلتهُ المزدهاةُ/

يحقّ عليها الحسدْ

كنت أقسمُ، دوماً، بهذا البلدْ/ رغم كلِّ الكَبَدْ

رغم نبعِ الشقاءِ/ الذي يتوضّأُ آباؤنا منهُ/ طيَّ الأبدْ

بالعطاء الذي يتفجّر فيهِ/ بطاقاته اللهبيّةِ/ بالحزن في أعين الصامتينَ/ وبالغزل المتواثبِ بين العيونِ/ برجفةِ ريفيّةٍ

* كنتُ أقسمُ، دوماً، بهذا البلدْ

بالذين مع الفجرِ/ ينحدرون إلى النهر/ ينكسرون مع الظهر/ ينسحبون مع القهر/ خلف جدارِ المساء، ويحترفون/ الجَلَدْ

بالفرحِ الذابلِ الصوتِ أقسمتُ/ بالدمع بين العيونِ الشواحبْ/ بالبنادق ساهرةً تشرئبّ/ وتحنو عليها زنودُ المحاربْ/ حيث نام الخطيبُ / الإمام على منبر الوطن المستكينِ/ المُسَجَّى الجسدْ

* كنت أقسم، دوماً، بهذا البلدْ

بالريح، أن سوف تأتي/ وبالعدل، أن سيضمّ جناحيهِ/ يحمي الحقيقةَ من لفحةِ

الباطلِ المتوهّجِ/ تُغشي العيونَ، وبالكلمات/ الحراب ستنقضُ في الروحِ

ما نسجتْه العناكبْ/ بالطفولة أقسمتُ/ بالغد.. بالبسماتِ/ وبالزرع منتشياً.. كنت أهمسُ: «يمكث في الأرض ما ينفعُ الناسَ«/ حين رأيتُ الزَّبَدْ/ أبنيةً في المدينة تعلو، وتسمقُ/ أرصدةً في البنوكِ/ حُليّاً تصلُّ بأذرعة العاهراتِ/ وفي الكتفين فراءَ ثعالبْ/ ربما كان من عرقٍ يتصبّبُ في أوجهٍ/ ران فيها الكَمَدْ

* كنتُ أقسمُ، دوماً، بهذا البلدْ

والبناياتُ تهوي/ وأقسم أن سوف تنهضُ/ حتى رأيتُ المطاراتِ غَصّتْ بمن

يهربونَ/ رأيتُ المناجلَ لا تحصد الزرعَ/ والضرعَ جفَّ

رأيتُ السيوفَ تثلَّمَ فيها الإباءُ/ رأيتُ الخيولَ على ضفّة النهرِ تضوي

وتهزلُ/ تسقطُ ضامرةً فوق أعلافها/ ومقهورةً/ حين تبصرُ نجمةَ داوودَ

في أفقها تَتّقدْ!

والذئابَ يروغون بين الثعالبْ

قلتُ: لا شيءَ يُجدي/ سوى الشعب

يُنشب في رئة الجائرين المخالِبْ

* البراكينُ لا تستقرُّ عليها الوسائد/ هم ينقشون على الماءِ أحلامهم/ يبتنون من الوهْمِ أيامهم/ يحرثون البحار.../ وحين تثورُ الزلازل/ لاشيء يبقى/ سوى قبضة الشعب حول الرقاب

(4)

أعرف الآن أن الزمان انتهى للبلادة:

........................................................................

هذه الأرض ليست لنا.. والعزاء: دائماً نحن مغتربون عليها

جمال الجمل

tamahi@hotmail.com