المقاتل مدني: أحمد عطيفى.. «مصارع منظمة سيناء»

كتب: أمل عباس الثلاثاء 06-10-2015 10:57

كان أحد أبطال المصارعة الحرة وبعد هزيمة 1967 أصر على قتال العدو الإسرائيلى، وعندما سمع عن منظمة سيناء العربية انضم لأعضائها الفدائيين، إنه أحمد عطيفى، من رجال المقاومة الشعبية، فى حرب أكتوبر 1973.

«عطيفى»، يروى لـ«المصرى اليوم» ذكريات التحاقه بمنظمة سيناء، قائلا: «ظللت أذهب للمخابرات الحربية واسأل عن مدير «المنظمة» رغبة منى فى الانضمام لها، ومكثت داخل غرفة من 8 إلى 9 ساعات يوميا دون مقابلة المسؤول، وتكرر هذا المشهد ثلاث مرات، وفى اليوم الرابع قابلنى مدير المخابرات الحربية حين ذاك وقال لى إنهم كانوا متعمدين معى ومع غيرى أن أظل منتظرا للتأكد من رغبتنا الحقيقية فى الالتحاق بالمنظمة فداء للوطن ومعرفة قوة المثابرة والإصرار، كما أن المخابرات وقتها كانت تجمع المعلومات خلال تلك الأيام عنا وعن ذوينا والحق يقال إنى عندما سمعت هذا من المسؤول سعدت كثيرا بهذا الجهاز القوى، والذى شعرنا بالثقة معه كفدائيين منذ أول يوم عملنا سويا».

أحمد عطيفى

ويتابع «عطيفى» حديثه: تدريبنا على أعلى مستوى من التدريبات العنيفة كفدائيين، وكنا نعرف بعض لأننا أول ما حصلنا على أسلحة من الجيش الذى كان يوزعها على شباب السويس بالمقاومة الشعبية للدفاع عن المدينة عقب النكسة، وكنت مقيم حينها فى كفر أحمد عبده أخذت السلاح إلى منزلى، وبعد أن نظفته والدتى خرجت إلى القنال ببور توفيق لمواجهة العدو، وقتها كان عمرى 22 سنة، وأول مرة أحمل سلاحا فى حياتى وتولت تدريباتنا كتيبة 79 مظلات، وبدأنا نشتبك مع العدو على خط القناة حتى إننا بسبب قرب المسافة التى تفصل بيننا كنا نسمع بعضنا بعضا ونتشاجر معهم لدرجة أننا منعناهم من أن يضعوا أعلاما إسرائيلية على الشمندورة الموجودة بمياه قناة السويس المخصصة لتحديد مسار السفينة وتمكنا وقتها من أسر عدد كبير من الجنود، وفى الوقت نفسه لم تتوقف تدريبات المخابرات الحربية لتجهيز مجموعة فدائية للتعامل مع العدو، ومن بين التدريبات كيفية زرع ألغام وإزالتها واستخدام جميع أنواع المتفجرات والتمييز بين الأسلحة المصرية والإسرائيلية واستخدامها والتعرف على أنواع الدبابات والطائرات الحربية للعدو والتعامل معها.

ويوضح أنهم كانوا يتلقون دروسا فى علم النفس منها لو وقعت فى الأسر عليك أن تفكر فى شىء آخر حتى لا تشعر بالألم، ويضيف: «تم إرسالنا إلى البر الشرقى وعبرنا القناة لوضع الألغام وعدنا، وكان معنا دليل من البدو لمعرفته بالأماكن المختلفة إلى أن بدأنا عمليات قتالية منها إغارة على العدو إلى أن جاءت عملية «وضح النهار» عام 1969 التى جعلت العالم يعلم أن بمصر فدائيين وجيش يستطيعون الانتصار على عدوهم».

يتذكر عملية الـ«21 فدائيا» ويقول: تم نقلنا فى لنش تابع لهيئة قناة السويس ومعنا دليل بحر اسمه أحمد الجمل فى طريقنا إلى سيناء وللأسف الموج كان مرتفعا وحطم تانك البنزين... ووصلنا إلى المنطقة الشرقية بخليج السويس فى عرض البحر وألقينا الهلب حتى لا نغرق، وكان قائد هذه العملية الشهيد مصطفى أبوهاشم كنا متفقين على كل شىء عدا لو تعطل بنا اللنش ماذا نفعل؟ ورغم خطورة استخدام اللاسلكى لأنه أصعب شىء فى الحروب الاتصال عن طريقه لأن إشارته سهل التقاطها لكن لم يكن لدينا خيار آخر واتصلنا بالقيادة الخاصة وأطلعناها على حقيقة الموقف وطلبنا الإنقاذ فسارعت بالاتصال بزوارق التوربيد البحرى فى الأدبية فردوا بأنه صعب الخروج إلا حال وجود غطاء جوى أولا لحماية القطعة البحرية فتم الاتصال بالفريق محمد فوزى، وزير الحربية، وقتها، الذى أطلع القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس جمال عبدالناصر على الموقف فكان رد الزعيم الراحل قوى، حيث قال: «لو حدث مكروه للفدائيين ستتم محاكمة المسؤول عن هذه العملية»، وخرج الطيران المصرى لعمل غطاء جوى للتوربيد الذى أبحر لإنقاذنا واشتبك مع الإسرائيليين فيما كان يبحث عنا التوربيد دون أن يلتقطنا الرادار بسبب صغر حجم مركبنا ووجدنا بعد الاتصال بنا وعدنا إلى الشط بمنطقة الأدبية لنجد فى استقبالنا عبدالناصر بنفسه واحتضنا جميعا، كان رجلا عظيما».

ويواصل: «عاودنا ثانيا التفكير فى تنفيذ العملية التى فشلت بسبب ضعف المركب فى المرة الأولى وإذ بالقوات البحرية توفر لنا لنشات وقوارب مطاطية نفذنا من خلالها عمليات حتى حرب أكتوبر 73... وفى يوم تقرر تنفيذ ضرب مجنزرتين إسرائيليتين، وكان تلاحظ قيام إسرائيليات وإسرائيليين بارتكاب أفعال فاضحة عليها يوميا عقب خروجها صباحا من الشمال متجهة إلى الجنوب وتعود فى الساعة الخامسة مساء أمام الجيش وطلبت المخابرات الحربية سرعة تنفيذ العملية، بدأنا ندرس الموقف جيدا من حيث تحديد ساعة خروج السيارتين والمسافة بين الأولى والثانية والسرعة بينهما وإعداد ثلاث خطط دخول وخمس أخرى للخروج بحسب التدريبات التى تلقيناها إلى أن جاء يوم التنفيذ بمنطقة الشط بالجناين، وكان مطلوبا منا القضاء على سيارتين وإحضار أسير بسبب مزاعم الإسرائيليين الكاذبة بوسائل الإعلام بعدم تمكن أى فدائى من إلحاق خسائر بجيشهم».

ويشير إلى أنه كان هناك لغم إسرائيلى قرب تنفيذ هذه العملية عبارة عن ماسورة قطرها 2 بوصة مليئة بالمتفجرات والشظايا وممتد منها سلك على مسافة 15 سنتيمتراً فتم قطع السلك وتبين أنه إنذار لإسرائيل عرفت من خلاله بأن هناك أحدا عبر تجاههم فأرسلت مع المجنزرتين دبابة إسرائيلية، وبالتالى تغيرت المسافات وعدد العربات التى سيتم التعامل معها كما تم تغيير السرعات، وكان قائد العملية وقتها الشهيد مصطفى أبوهاشم فقرر إطلاق نيران كثيفة عليها وكان تم الاتفاق على ألا تستغرق العملية 6 دقائق لأنها مدة مسافة أقرب معسكر إسرائيلى تخرج منه دبابات للاشتباك لكن التنفيذ استغرق وقتا أكثر، وخرجت الطائرات الإسرائيلية، فيما دمر الفدائيون المجنزرتين والدبابة وأحضروا معهم أسيرا وعادوا بقارب فى مياه قناة السويس. و«أثناء عودتنا بالقارب المطاطى أصيب بشظايا قطعته فعدنا إلى شط السويس سباحة ونزعنا الألغام الموجودة على الشط»، بهذه الكلمات يتابع «عطيفى» حديثه، مضيفا: «نجحت العملية وقرر (أبوهاشم) الذى كان أغنى شخص فى المجموعة ماديا لكون والده يمتلك محل جزارة أن يحضر كباب ولحوم ونفطر مع كتيبة الجيش المصرى التى تضررت بسببنا من قصف الطائرات الإسرائيلية لكن المخابرات قالت إنها من ستحضر الطعام وبالفعل أحضرته، كما أتى لنا (أبوهاشم) كذلك بطعاما».

وحول ذكريات هذه العملية، يقول: «قبل الإفطار أدينا الصلاة ولاحظت أن شابا يجلب لنا المياه ويصبها علينا للوضوء واحدا واحدا... وكان اسمه غريب على مسامعى وعرفت منه أنه مسيحى فقبلته واحتضنته وعرفنا أثناء الإفطار من قائد الكتيبة عدم إصابة أى من جنودنا».

وعن استشهاد مصطفى أبوهاشم، يضيف: «كانت صعبة علينا جميعا، وكنا نتلقى التدريبات فى نادى السويس الرياضى وقام الطيران الإسرائيلى بإلقاء براميل (نابلم) سقط أحدها على الشهيد وبعدها استشهد الفدائى سعيد الشاتلى فى عملية استطلاع بسيناء ولم نهدأ إلا بعد أن أحضرنا جثته».

ويصمت لحظات ليتابع حديثه: «اندلعت حرب 6 أكتوبر ووجدنا الشيخ حافظ سلامة يأتى إلينا فى منزل الفدائى محمود عواد وأبلغنا بوجود مصابين كثيرين من الجيش فى مستشفى السويس العام والحميات وشهداء فى مشرحة المستشفى وعلينا التوجه إليهم للمساعدة كنا نأخذ أسلحة الجنود الشهداء ونضعها فى غرفة مستشفى السويس، وفى 23 أكتوبر جاء شخص وأخبرنا بأن الإسرائيليين وصلوا منطقة الجناين فقررنا أخذ أسلحة مضادة للدبابات للدفاع عن المدينة لكن أقرب مخزن أسلحة مضادة للدبابات كان فى بئر عديب قرب العين السخنة ويبعد أكثر من 40 كيلو مترا، فقررنا أن نذهب لغرفة الأسلحة بمستشفى السويس لكن الضابط المسؤول عنها رفض وقال «إيه اللى يثبت إنكم بالمقاومة الشعبية... ما بها عهدة»، فيما قال عسكرى معه: «إذا كنتم حقا مقاومة شعبية سأفتح الغرفة لتأخذوا الأسلحة التى تحتاجونها وسأكون معكم بالمقاومة»، وعثرنا على سلاح واحد مضاد للطيران وثلاثة صواريخ وعدد كبير من القنابل وهرولنا ومعنا العسكرى الذى استشهد فى اليوم التالى وقسمنا أنفسنا لثلاث مجموعات بعد أن عملنا بنظرية الاحتمالات، الأولى ضمت محمود عواد وإبراهيم سليمان ومحمود طه وعلى سباق بجوار صيدلية هلال أمام قسم شرطة الأربعين، والثانية كنت فيها مع سرحان وفايز حافظ وأشرف عبدالدايم أمام مدرسة الحرية فى شارع بنك مصر، وفى الثالثة عبدالمنعم خالد وغريب محمد غريب وأحمد أبوهاشم شقيق الشهيد مصطفى وفتحى عوض الله، أمام مسجد الأربعين، وكان مساء يوم 23 أكتوبر الموافق 27 رمضان ولا يوجد قمر والظلام يعم المكان ووجدنا ضابطا اسمه الرائد مصطفى بإدارة مرور السويس فعرفناه أن العدو سيدخل السويس وعلينا التوجه إلى المحافظ لإخطار القيادة لإرسال قوات ووجدت المحافظ وأخبرته بذلك لكنه سارع وقال: «لدينا خبر ولا تقلق واعتنوا بأنفسكم»، وعدت ثانيا إلى مجموعتى... الضرب كان شديدا من الإسرائيليين من خارج المدينة والجيش كان يرد عليهم«.

«فى الساعة الحادية عشر صباح 24 أكتوبر دخلت القوات الإسرائيلية ودباباتهم ومدرعاتهم من المثلث متجهة إلى الأربعين»، يتذكر «عطيفى» ويواصل: «المجموعة الأولى ضربت آخر دبابة وأصابتها ولم تدمرها وواصلت السير، ثم أصابت دبابة ثانية واستمرت فى السير فوجدت الشهيد إبراهيم سليمان يهرول إلى مجموعتى وهو ينادى من بعيد يا عطيفى وقال: «الدبابات دخلت واقتربت من قسم شرطة الأربعين، فانطلقت إلى أمام سينما رويال بالـ(آر بى جى)، وأصبت دبابة ولم أدمرها وواصلت السير، ومع تعجلى أمسكت السلاح من الماسورة فأحرقت يدى فأخذها إبراهيم سليمان وأطلق قذيفة فدمر الدبابة التى كانت الأولى للعدو التى تدخل السويس». ويتابع: قررنا مهاجمة قسم شرطة الأربعين الذى تخفت داخله مجموعة كبيرة من الجنود الإسرائيليين.. الفدائى إبراهيم سليمان كان بطلا فى رياضة الجومباز فتسلق سور القسم فأستشهد وكان صعب سحبه من السور، بينما اشتبك أشرف عبدالدايم وفايز وأحمد أبوهاشم مع جنود العدو داخل وأمام القسم واستشهدوا فقررنا إلقاء قنابل حارقة على القسم فأرسلوا لنا عسكرى صول كبير فى السن يتفاوض معنا ويطلبون تسليم سلاحهم مقابل أن نضمن لهم الحفاظ على حياتهم وانصرف الصول ومضى فى طريقه بعيدا عن القسم فقررنا الأخذ بثأر شهدائنا وأتينا بجراكن كيروسين وبنزين وأحرقنا القسم بالإسرائيليين وفر من القسم ضابطين ومعهما 2 مراسلين عسكريين.

ويقول «عطيفى»: «نفذنا مئات العمليات خلال 101 يوم حصار وكبدنا العدو خسائر شديد لدرجة أن الإسرائيليين أطلقوا علينا كتائب انتحارية وكانوا يظنون أن من قاموا بتلك العمليات قوات خاصة فى حين كان جيشنا العظيم يواصل حربه على الجبهة ضد العدو».