الأمانة التى قرر الإخوان إعادتها للشعب!

صلاح عيسي الجمعة 02-10-2015 21:27

اختلف المعلقون السياسيون حول تفسيرهم للظروف التى دفعت التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين لإصدار البيان الذى أعلنه يوم الأربعاء الماضى، ودعا فيه أعضاء الجماعة فى مصر للاندماج فى الحياة السياسية، والمشاركة فى الأحزاب وفتح حوار مع القوى السياسية، فجمع بعضهم بين هذا البيان وبين التصريحات التى أدلى بها وزير الخارجية القطرى فى اليوم نفسه، بأن بلاده تدعم الحكومات وليس الأحزاب أو الأشخاص، وأن علاقتها مع مصر علاقة طيبة، واعتبرهما رد فعل على الترحيب الدولى الذى لقيه الرئيس السيسى أثناء مشاركته فى أعمال الدورة السبعين للأمم المتحدة، وربط آخرون بين تغير موقف قطر وتغير موقف الإدارة الأمريكية من الأوضاع فى مصر، كما تمثل فى حرص الرئيس الأمريكى على مصافحة السيسى له، وإشادته بالتصريحات التى أدلى بها لأجهزة الإعلام الأمريكية خلال زيارته، بينما اعتبر فريق ثالث بيان التنظيم الدولى للإخوان أحد تداعيات فتح باب الترشح لمجلس النواب، تمهيداً لإتمام الخطوة الثالثة والأخيرة من خريطة المستقبل.

ولأن كل شىء وارد فى السياسة، وبصرف النظر عما قد يكون فى بعض هذه الاحتمالات من مبالغة، فإنها كلها واردة، بل إن البيان - لو صح أنه قد صدر بالفعل عن التنظيم الدولى للجماعة - يؤكد صحة التسريبات التى تحدثت قبل ذلك عن نقد عنيف وجهه راشد الغنوشى، رئيس حركة النهضة، الفرع التونسى لجماعة الإخوان، فى أحد اجتماعات التنظيم الدولى، للسياسات التى اتبعتها قيادة الجماعة فى مصر، بسبب تعدد الأخطاء التى وقعت فيها فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011، ومن بينها تنكرها لوعدها بألا تنافس إلا على 30٪ فقط من المقاعد فى الانتخابات البرلمانية لعام 2011، وانتقالها المفاجئ من اعتبار الفترة التى أعقبت الثورة امتداداً لمرحلة المشاركة - التى يشترك فيها الإخوان مع آخرين فى حكم يقوم على الشراكة الوطنية - إلى اعتمادها كبداية لمرحلة المغالبة، التى يقيمون فيها دولتهم، وهو ما دفعهم للتحالف مع الجماعات الإسلامية صاحبة السوابق فى ممارسة العنف، لكى تحقق الأغلبية فى الانتخابات البرلمانية، وقادها إلى خوض المنافسة على موقع رئاسة الجمهورية، واتباع سياسات تهدف إلى الاستئثار بالسلطة، وإقصاء الجميع عنها، لينتهى ذلك كله بثورة الشعب المصرى ضدها، وسحب ثقته التى كان قد أولاها لها.

ومن بين الاحتمالات الواردة كذلك، أن يكون البيان أحد مظاهر حرب البيانات بين قيادة جماعة الإخوان المسلمين فى الداخل، التى تجمع بين المسجونين على ذمة تحقيقات قضائية والهاربين داخل البلاد، وبين قيادتها فى الخارج، وبين التنويعات المختلفة للقيادتين، وهو ما قد يؤكده أن مكتب إرشاد الجماعة قال فى إشارة غير مباشرة إلى البيان المنسوب للتنظيم الدولى، إن المواقف الرسمية للجماعة تصدر من خلال الموقع الرسمى والصفحة الرسمية والمتحدث الإعلامى فقط.

والحقيقة أن البيان لم يشر صراحة أو ضمناً إلى أنه صادر عن التنظيم الدولى، بل أكد أنه صادر عن جماعة الإخوان المسلمين، وأنه يتحدث باسمها، ويتعهد نيابة عنها بأنها سوف تواصل محاولاتها لإسقاط ما سماه «مسار الثالث من يوليو 2013» الذى زعم أنه «انقلب على الديمقراطية، وانقض على إرادة الشعب واختياره الحر والنزيه فى انتخابات 2012 التى أوصلت أول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر الحديث إلى السلطة».

وبعد أن استعرض البيان ما تحملته الجماعة خلال العامين الماضيين من تضحيات لكى تعيد الحياة إلى ثورة 25 يناير فى مواجهة قوى الممانعة التى لا تريد لها الحياة، انتهت إلى قناعة مهمة، خلاصتها أن تعيد الأمانة إلى أهلها وأن تدعو الشعب وقواه الحية إلى تحمل مسؤوليتهم فى الدفاع عن ثورتهم وكرامتهم وحريتهم.

تستند خطة إعادة الأمانة إلى أهلها طبقاً لما يقوله البيان على أربعة مبادئ:

الأول: الفصل الإدارى والتنظيمى التام بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وعدم تخلى الجماعة عن دورها كحركة إحيائية تربوية ودعوية بمفهوم الإسلام الشامل، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ونصحاً للحاكم والمحكوم من دون التدخل فى شؤون فروعها ومن يتبنى نهجها الفكرى.

الثانى: ترك الحرية لمن يشاء من أفراد الصف بتكوين أحزاب سياسية أو الانخراط فى أحزاب سياسية قائمة، تحترم مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة وقيمها وإن لم تشترك بالضرورة فى المرجعية الفكرية والأيديولوجية للجماعة التى لا تلزم أحداً من أفرادها بشىء غير ما يلزم به هو نفسه قناعة واختياراً.


الثالث: إعادة تقييم مواقف حزب الحرية والعدالة السياسية، والعمل على تصحيح الأخطاء التى وقع فيها منذ الوصول إلى السلطة فى 2012، مع الإعلان للناس عن حجم الإنجازات التى تمت خلال وجود الرئيس محمد مرسى فى السلطة، واتخاذ الإجراءات الملائمة لتصحيح العلاقة مع الفرقاء السياسيين وإعادة بناء الثقة معهم، والعمل على التوصل إلى أجندة سياسية مشتركة هدفها بناء دولة القانون والحريات.

الرابع: الرفض التام للعنف أياً كان شكله ومستواه وأهدافه، والالتزام التام بالمنهج السلمى الذى تم اتباعه طوال تاريخ الجماعة «!!!» واعتبار كل من ينظّر للعنف أو يبرره أو يمارسه خارجاً عن الجماعة، وليس منها.. وليست منه.

والبيان بهذه الصيغة يضيف إلى الاحتمالات التى ذهب إليها الذين حاولوا تفسير الظروف التى دفعت الفصيل الإخوانى الذى أصدره، إلى إعلانه فى هذا التوقيت بالذات، ثلاثة احتمالات أخرى:

الأول: أن يكون بمثابة إعلان عن تفكك تحالف دعم الشرعية، الذى شكلته الجماعة، لكى توحى - خاصة لأصدقائها فى أمريكا وأوروبا - أنه تحالف لقوى سياسية ديمقراطية، وفشل فى أداء هذا الدور، وعجز عن أن يجتذب إليه أى قوى ذات ثقل سياسى فى مصر.

الثانى: أن يكون محاولة لتحميل حزب الحرية والعدالة كل المسؤولية عن الأخطاء والخطايا التى وقعت فيها قيادة الجماعة خلال المرحلة بين عامى 2011 و2013، وأدت إلى ثورة الشعب ضدها، والتخلى عنها، وإطلاق حرية أعضاء الجماعة فى الانضمام إلى الأحزاب السياسية التى يرغبون فى الانضمام إليها.

الثالث: أن يكون دعوة لجماهير الإخوان بأن يصوّتوا فى الانتخابات البرلمانية الوشيكة لصالح أحزاب بعينها تخوض المعركة الانتخابية، لكى يكون لهم وجود فى المجلس النيابى القادم، من دون أن يكون لهم حزب يشارك فى الانتخابات.. أو يعترف بما سماه البيان سلطة الانقلاب على الديمقراطية.

تلك هى الأمانة التى يقرر البيان أنهم قرروا أن يعيدوها إلى الشعب المصرى.. الذى سوف يردها إليهم فى صندوق الانتخابات تطبيقاً للمثل الشعبى: «يا نحلة لا تقرصينى.. ولا عاوز عسلك!».